تقارير

عقوبات مضحكة على موسكو.. أميركا وأوروبا تشتريان النفط والغاز الروسي بغطاء هندي

انتقلت عدوى التحايل الإيراني والفنزويلي على العقوبات الأميركية، إلى النفط الروسي؛ إذ كشفت بيانات عن استعانة أميركا وأوروبا بنفط موسكو عقب تكريره في مصافٍ هندية، فيما يمكن وصفه بتحول مسلسل العقوبات الدولية إلى كوميديا سوداء.

ورغم الحظر الأميركي لواردات الطاقة الروسية -في 8 مارس/آذار الماضي- واقتراب الاتحاد الأوروبي من اتخاذ قرار مماثل بعد فرض حظر تدريجي؛ فإنه رُصِدَت بيانات متفرقة حول نمو صادرات النفط الروسي إلى الهند وأخرى تُشير إلى تعزيز نيودلهي صادرات المنتجات النفطية المُكررة لكل من أميركا وأوروبا، وفق ما أوردته صحيفة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal).

في غضون ذلك، تفتح أميركا موانئها لاستقبال شحنات النفط الروسي عقب تكريرها بمصافي شركات هندية، بالتزامن مع أزمة محلية طاحنة قفزت بأسعار البنزين لأعلى مستوياتها منذ 10 سنوات، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

“قنطرة” هندية

سجلت صادرات النفط من روسيا انتعاشة في شهر أبريل/نيسان، لتصل إلى 8.1 مليون برميل يوميًا قرب مستويات ما قبل غزو أوكرانيا أواخر فبراير/شباط، لتعوض تراجع معدلات شهر مارس/آذار، وفق بيانات وكالة الطاقة الدولية.


وأشارت بيانات أخرى إلى أن غالبية الزيادة في عدد شحنات النفط الروسي كانت موجهة الشركات الهندية التي تحولت إلى “مركز رئيس” لاستقبال التدفقات من موسكو، وتلقت عقب حرب أوكرانيا ما يقارب 800 ألف برميل يوميًا مقابل 30 ألف برميل يوميًا قبيل الحرب، طبقًا لبيانات محلل أسواق السلع كبلر.

وفي المقابل، تزامنت زيادة صادرات الخام الروسي إلى الهند مع قفزة صادرات نيودلهي من المنتجات النفطية المكررة بصورة يومية إلى أوروبا بمعدل الثلث، وإلى أميركا بنسبة 43%.

ويُشار في هذا الشأن إلى أن موسكو تعمّدت خفض سعر النفط الروسي “خام الأورال” إلى مستويات تنخفض عن خام برنت بما يقارب 35 دولارًا، ما كان سببًا في اجتذاب الشركات الهندية والصينية أيضًا وغيرهما.


وتتبع موسكو خطة “من سفينة إلى سفينة” لنقل النفط الروسي بين الموانئ المختلفة، من خلال نقل حمولة الشحنات من بين السفن في محاولة لتضليل وجهتها وتعقب الأقمار الصناعية لها.

وأظهرت بيانات أن سفينة “زين1” المُحملة بالنفط الروسي فرّغت حمولتها، الأسبوع الماضي، إلى ناقلة عملاقة تتسع لما يقرب من 2 مليون برميل وتحمل اسم “لورين2” رُصدت تتجه إلى الصين، وفق بيانات شركة وايندوارد المعنية ببيانات السفن.

وأكدت شركات شحن أن ناقلات الخام الروسي تتخذ من البحر المتوسط وسواحل غرب أفريقيا والبحر الأسود نقاطًا لاستبدال حمولاتها لتضليل عمليات التتبع.

واتفق محلل المنتجات النفطية في إنرجي آسبكتس للاستشارات، كوين ويسليز، مع السيناريو الرامي إلى أن النفط الروسي شق طريقه إلى أميركا وأوروبا عبر المصافي الهندية، قائلًا: “بالنظر إلى واردات المصافي الهندية من النفط الروسي بكميات ضخمة، نرجح أنها استخدمته في إنتاج المواد النفطية المكررة”.

شركات هندية وسيطة

اتجهت الأنظار إلى شركتي ريليانس إندستريز، ونايارا إنرجي، الهنديتين؛ إذ اتخذ الخام الروسي منهما باعتباره وسيطًا لتكرير شحناته ونقلها ونشرها بالأسواق الأميركية والأوروبية رغم الحظر.

واشترت شركة ريليانس إندستريز، خلال شهر مايو/أيار الماضي، شحنات من الخام الروسي تُقدر بـ7 أضعاف وارداتها قبل غزو أوكرانيا، بالإضافة إلى شحنات شركة نايارا التي تستحوذ شركة روسنفط الروسية على حصة كبرى بها.

ودافع تقرير لصحيفة إنديا تايمز الهندية عن ممارسات شركتي ريليانس إندستريز ونايارا إنرجي، متهمًا تقرير الصحيفة الأميركية وول ستريت جورنال بممارسة ضغوط على الحكومة الهندية لتعديل موقفها من العقوبات ضد روسيا؛ إذ إنها لم تتخذ موقفًا ضد حربها على أوكرانيا، وفق ما اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

وأورد التقرير أن جانبًا من تجارة النفط الروسي واصل نموه رغم العقوبات التي قادتها أميركا ضد روسيا، وعكف المشترون على دمجه بعمليات التكرير لإنتاج المشتقات النفطية والوقود.

وأشار إلى أن الهند لم تكُن وحدها التي استقبلت واردات الطاقة الروسية عقب فرض عقوبات بسبب غزو أوكرانيا، لكن ألمانيا أيضًا واصلت شراء النفط والغاز الروسيين رغم أنها أكبر الاقتصادات الأوروبية.

قلق أميركي

اعتبر تقرير الصحيفة الهندية أن توقف أميركا عن استقبال واردات النفط الروسي يهدد بارتفاع أسعار النفط بالأسواق العالمية المختنقة بالفعل، مشيرًا إلى أن تلك الخطوة سوف تنعكس على الاقتصاد الأميركي وتزيد معدلات التضخم، وفق ما ورد بصحيفة إنديا تايمز من إيكونوميك تايمز.

وتسعى أميركا بشتى الطرق لتخطي أزمة الوقود وأسعار البنزين المرتفعة بها، حتى وإن كان بالاعتماد على النفط الروسي المحظور بموانئها، ولا سيما في ظل ارتفاع أسعار النفط العالمية مسجلة 110 دولارات للبرميل.

وحذر التقرير من تداعيات ارتفاع أسعار الطاقة على مستقبل إدارة بايدن قبيل الانتخابات الأميركية المقبلة.

وذهب تقرير الصحيفة الهندية إلى سيناريو محتمل قد تلجأ إليه أميركا في ظل ارتفاع أسعار البنزين وإعلانها -رسميًا- حظر واردات النفط الروسي.

ودعا واشنطن لتنفيذ تعهداتها التي قطعتها على نفسها مسبقًا بإعادة تأهيل حقول النفط العراقية وإنعاش الصناعة وتأهيل البنية التحتية، ولا سيما أن وزير النفط ببغداد، إحسان عبدالجبار، أعلن عزم بلاده رفع إنتاج الخام بحلول عام 2027 إلى ما يقرب من 6 ملايين برميل يوميًا.

اقرأ أيضًا: الهند تزيد من واردات النفط الروسي الرخيص.. هل تواصل المخاطرة بعلاقاتها الدولية؟ (تقرير)


تستمر الهند في الاعتماد بشكل رئيس على النفط الروسي، رغم العقوبات الموقعة على موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا، في حين وصفه الكثيرون بتحدٍ صارخ لأوروبا وأميركا.

إذ تستفيد نيودلهي من خصم يصل إلى 35 دولارًا أميركيًا على خام الأورال الروسي الرائد، ما يساعد حكومة ناريندرا مودي في السيطرة على السخط المحلي المتزايد من ارتفاع أسعار الوقود.

وبذلك، تخاطر البلاد بعلاقاتها الدولية بسبب التعامل عبر نظام إس بي إف إس الروسي لنقل الرسائل المالية، الذي اقترحته موسكو على حكومة مودي، بوصفه وسيلة لتجنب نظام سويفت، وهو نظام الرسائل الذي تستخدمه البنوك لنقل الأموال عبر الحدود.

إذا استسلم الاتحاد الأوروبي لإنذار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدول “غير الصديقة”، وسمح لمشتري الغاز بالدفع بالروبل، باستخدام حسابات في البنوك الروسية، فلن يكون هناك شيء استثنائي فيما تقوم به الهند.

إلا أن أخذ زمام المبادرة في تبني ترتيب مؤسسي جديد تمامًا مع موسكو لا معنى له من منظور جيوسياسي، حسبما أفادت وكالة بلومبرغ في وقت سابق، في تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.

النفط الروسي أم المصالح الوطنية

ترى الولايات المتحدة أن الهند هي حليفها المحتمل في تنافسها بين القوى العظمى مع الصين؛ ولكنها ليست علاقة عميقة بعد، وتتطلب بناء الثقة من كلا الجانبين.

كما أن امتناع نيودلهي عن إدانة عدوان بوتين في الأمم المتحدة شيء، وتحريض نظامه على تجنب العقوبات شيء آخر.

إذ ستؤدي الموافقة على فتح قناة رسائل مالية إلكترونية منفصلة مع موسكو، إلى جعل الهند تبدو غير موثوقة بالنسبة إلى الاقتصادات الأكبر بكثير، التي تحتاج أسواقها إلى الانتقال من حالة الدخل المتوسط المنخفض إلى الدخل العالي المتوسط.

ويُعد هذا التحول أكثر أهمية لمصالح نيودلهي الوطنية من خصم 35 دولارًا على النفط، أو صفقة أسلحة مناسبة نظرًا إلى اعتماد الهند على روسيا في المشتريات الدفاعية.

كما أن الموقف لن يرضي الأميركيين. ومع ذلك، فإنه ليس أكثر انتهازية من استمرار أوروبا في شراء الغاز الروسي لأكثر من شهر بعد غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا، حسب بلومبرغ.

وقد تستمر الهند في اختبار تسامح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إذا وافقت على التجارة بالروبية والروبل باستخدام نظام إس بي إف إس الروسي.

صفقات قصيرة الأجل

هذا الوضع طرح سؤالًا مهمًا: ما الذي تحصل عليه نيودلهي في المقابل، إلى جانب النفط الرخيص والمعدات العسكرية مثل بطاريات نظام الدفاع الجوي إس-400؟

وكانت الإجابة “لا شيء كثيرًا في الواقع.. إذا كان هناك أي شيء، فستخسر الكثير”. فمثل هذه الصفقات غالبًا ما تكون قصيرة الأجل.

إذ تفتقر إلى السيولة العميقة التي يوفرها الدولار بشكل أساسي، وهو وسيلة تبادل ومخزن للقيمة يقبلها جميع الأطراف المقابلة بحرية – إلا إذا صادف وجودها في روسيا، إذ فقد حتى البنك المركزي إمكان الوصول إلى الكثير من احتياطياته الأجنبية.

الهند تستهدف تأمين احتياجاتها من النفط الروسي بصفقات جديدة لمدة 6 أشهر
وعلى سبيل المثال، اشترت الهند النفط من إيران بموجب الإعفاء من العقوبات الأميركية عن طريق إيداع الروبية في البنوك الهندية، واستخدمت طهران هذه الأموال لشراء الأغذية والأدوية من الهند.

ومع ذلك، بمجرد انتهاء الإعفاء، اضطرت الهند إلى التوقف عن استيراد النفط الإيراني. وتضاءلت الأرصدة في الحسابات، والآن لن تبيع الشركات الهندية الأرز أو السكر أو الشاي إلى طهران لأنها قد لا تحصل على أموالها.

محاولات أميركية لوقف واردات الهند

في محاولة لمنع مشتريات الهند المتزايدة من النفط الروسي، صرحت وزارة الخزانة الأميركية -الثلاثاء الماضي- بأن مسؤولًا في إدارة بايدن توجه إلى الهند للتحدث مع المسؤولين بشأن العقوبات الأميركية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخزانة إن مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية، إليزابيث روزنبرغ، ستزور نيودلهي ومومباي حتى الخميس، حسبما نقلت وكالة رويترز.

وأوضح المتحدث باسم وزارة الخزانة أن زيارة روزنبرغ هي جزء من جهد أوسع لإدارة بايدن للتواصل مع الشركاء والحلفاء في جميع أنحاء العالم، للتحدث مع المسؤولين والصناعة حول تنفيذ العقوبات الأميركية وضوابط التصدير.

وقد تتعرض نيودلهي “لمخاطر كبيرة” بسبب زيادة كبيرة في صادرات النفط الروسي من قبل الهند، في الوقت الذي تستعد فيه واشنطن لتشديد تطبيق العقوبات على موسكو بعد غزوها لأوكرانيا، بحسب ما صرح به مسؤول أميركي كبير آخر لرويترز في 31 مارس/آذار.

واردات النفط في الهند

أظهرت بيانات هندية حكومية، يوم الثلاثاء الماضي، أن إنتاجية المصافي الهندية من النفط الخام لشهر أبريل/نيسان ارتفعت إلى 5.27 مليون برميل يوميًا، بزيادة بنسبة 8.5% على أساس سنوي.

جاء ذلك نتيجة تكثيف عمليات التشغيل في المصافي، لزيادة العوائد المرتفعة بمساعدة مشتريات النفط الروسي التي تجري بخصومات كبيرة، وفقًا لما نقلته رويترز.

كما أظهرت البيانات الأسبوع الماضي أن واردات الهند من النفط الخام في أبريل/نيسان كانت الأعلى في 3 سنوات ونصف السنة، بشكل رئيس على خلفية ارتفاع التدفقات الروسية إلى الهند.

وزادت الهند وارداتها من النفط الروسي في أبريل/نيسان إلى نحو 277 ألف برميل يوميًا، ارتفاعًا من 66 ألف برميل يوميًا في مارس/آذار.

وفي هذا الصدد، قال المحلل في وكالة رفينيتيف، إحسان الحق: “المصافي تشتري النفط الروسي الرخيص بقدر الإمكان، ثم تصدر الديزل عالي السعر خاصة إلى أوروبا، إذ ارتفعت أسعار الديزل إلى مستويات عالية بشكل فلكي”.

وأضاف أن “المصافي تعزز عملياتها من أجل الاستفادة من هوامش قوية استثنائيًا.. أعمال التكرير هي عمل دوري، ويجب على المصافي جني الأرباح ما دامت هوامش الربحية المرتفعة مستمرة”.

المصدر: الطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى