المعادن النادرة.. اكتشاف جديد يمنح تركيا فرصة لمنافسة الصين والهيمنة على السوق الأوربي
دخلت تركيا المنافسة مع الصين بعد اكتشاف جديد لاحتياطي عناصر أرضية نادرة.
وقالت صحيفة The Times البريطانية الأربعاء 13 يوليو/تموز 2022، إن انقرة ستنهي احتكار بكين لهذه الموارد المهمة، التي تعتمد عليها الصناعات النظيفة، خصوصاً السيارات الكهربائية.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا الاحتياطي المُكتشف حديثاً من العناصر الأرضية النادرة يشمل مجموعة من المعادن الحيوية لتخزين الطاقة البديلة، وقد اكتُشف بالقرب من مدينة إسكيشهير في سهل الأناضول الأوسط بتركيا.
تتوقع وزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية أن 694 مليون طن من هذه الرواسب تحتوي على عناصر أرضية نادرة تكفي العالم لألف عام، وهو ثاني أكبر احتياطي في العالم بعد احتياطي الصين، التي تهيمن على إنتاجه عالمياً.
من جانبه، قال الرئيس أردوغان: “هدفنا معالجة 570 ألف طن من هذه المواد الخام سنوياً حين تصل هذه المنشأة إلى طاقتها الكاملة”.
من جانبها، ذكرت صحيفة Global Times التابعة للحكومة الصينية، نقلاً عن مصادر مطلعة في المجال: “الصين ستظل محتفظة بتفوقها التكنولوجي في صناعة العناصر الأرضية النادرة العالمية في المستقبل. واكتشاف احتياطي عناصر نادرة في تركيا لن يكون له تأثير يُذكر على مكانة الصين العالمية”.
كما قال بعض المشككين إن التفاصيل لا تزال غامضة، والمبالغ المذكورة تشير إلى كمية الخام فقط، إلا أن كمية العناصر الأرضية النادرة التي تُنتج فعلياً ستعتمد، كما هو الحال في جميع عمليات التعدين، على نقاء الخام.
ورغم تعهد كل من بريطانيا وأمريكا بحظر مبيعات السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2045، فإن صناعة البطاريات التي تعمل عليها السيارات الكهربائية، يتطلب مجموعة من المعادن، بما في ذلك، ما يسمى بالعناصر الأرضية النادرة، والتي تقود الصين إنتاجها، وتوفر من 80-90% من الإمدادات العالمية.
كذلك قال كاستيلو إن التقديرات تشير إلى أن نقاء الأرض النادرة في تركيا يمثل 2%، وهو ما سيوفر ما يكفي من الخامات المعالجة لإرضاء السوق العالمية لمدة من 40 إلى 50 عاماً، ولكن فقط عند مستويات الطلب الحالية.
لكن الاكتشاف التركي سيقدم بصيص أمل للغرب على الأقل. يقول ريان كاستيلو، المدير الإداري لشركة Adamas Intelligence الاستشارية: “لن أقول إن هذا هو المنقذ للسوق الأوروبية، لكنه نبأ سار. فالمشكلة كبيرة جداً، والطلب ينمو بسرعة كبيرة لدرجة أننا نحتاج إلى أكثر من تركيا واحدة، وأن نرى اكتشافات كهذه كثيراً”.
الصراع بين الصين والغرب
إن النيران التي أشعلت بشكل سري في فناء القنصلية الصينية في هيوستن تسلط الضوء على مرحلة جديدة من الصراع بين الولايات المتحدة والصين، حيث أغلقت السلطات الأميركية القنصلية الصينية الأسبوع الماضي، قائلة إنها مركز للتجسس وسرقة الملكية الفكرية. وقبل إخلاء المقر، سارع المسؤولون الصينيون إلى حرق دلائل الإدانة.
إن السبب الذي يفسر إغلاق واشنطن قنصلية الصين في هيوستن دون غيرها هو المشروع الذي يعمل عليه الأميركيون شرق مدينة إل باسو بولاية تكساس، حيث يطور علماء ومهندسون طرقا لكسر السياسة التي تقترب من الاحتكار التي تتبعها الصين في التنقيب عن المعادن الثمينة النادرة.
وتكتسب هذه المعادن أهمية كبرى لأخذ الريادة في عصر المعلومات، فهي تدخل في صناعة الهواتف الذكية والمركبات الكهربائية والصناعات العسكرية وغيرها. ولطالما كانت السيطرة على المعادن المهمة (النفط والذهب) أساس الإمبراطوريات.
ووفّرت الصين 80% من احتياجات الولايات المتحدة للمعادن النادرة بين عامي 2014 و2017، في حين تستأثر بنسبة 85% من القدرة العالمية على معالجتها كما بان في الفقرة السابقة.
وقد يستغرق الوصول إلى نفس قدرة الصين على معالجة هذه المعادن أو منافسة أسعارها المنخفضة سنوات، وهذا يجعل تهديد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانفصال عن الاقتصاد الصيني قوي بعد اكتشاف هذه المعادن في تركيا.
وفي هذا الصدد، طوّرت الصين سياسة أفغانية لما تزخر به هذه الدولة من احتياطيات حديد ونحاس وكوبالت، وخاصة الليثيوم. ولفترة من الوقت، كانت الصين تصف أفغانستان بأنها “مملكة الليثيوم”، متجاهلة المخاطر الأمنية الواضحة والسياسة القبلية وحركة طالبان وهشاشة البنية التحتية.
الهيمنة على المعادن النادرة
وافقت الصين على إنشاء واحدة من أكبر شركات عناصر التربة النادرة في العالم، بهدف الحفاظ على هيمنتها في سلسلة التوريد العالمية للمعادن الإستراتيجية مع ازدياد التوتر مع أميركا.
ونسبت صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) في تقرير حصري لها إلى مصادر مطلعة أن الشركة الجديدة ستسمى “تشاينا رير إيرث غروب” (China Rare Earth Group)، وسيتم إنشاؤها بدمج أصول التربة النادرة من بعض الشركات الحكومية، وهي مصممة لزيادة تعزيز قوة التسعير في بكين وتجنب الاقتتال الداخلي بين الشركات الصينية، واستخدام هذا النفوذ لتقويض الجهود الغربية للسيطرة على التقنيات الحيوية، ومن المتوقع الإعلان عن هذه الشركة الشهر المقبل.
وأوصى التقرير بالعديد من الخطوات لتوسيع الإنتاج المحلي وقدرة المعالجة من أجل زيادة مرونة سلاسل توريد المواد الإستراتيجية والحاسمة.
ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أن أسعار عناصر التربة النادرة لم تعد إلى المستويات التي وصلت إليها في منتصف عام 2011، وسط تكهنات كثيفة في الصين وأماكن أخرى بسبب الإدراك المفاجئ للأهمية الحاسمة التي تلعبها الصناعة الصغيرة والغامضة نسبيا، ومنذ ذلك الحين توسع تعدين هذه العناصر في أماكن أخرى، وأدخلت الشركات التكنولوجيا لتقليل استخدام المعادن، ووضعت الحكومات الأموال والكلام وراء الجهود المبذولة للتنافس مع الصناعة الصينية.
سباق عالمي للعثور على المعادن النادرة
وجدت أبحاث أجراها علماء بريطانيون، أن مدغشقر لديها القدرة على منافسة الصين في توفير المعادن الأرضية النادرة. ونُشر هذا البحث في مجلة “اتصالات الطبيعة” (Nature Communications)، وهو يسلط الضوء على مصادر بديلة للمعادن الأرضية النادرة الثقيلة التي يتم البحث عنها كثيرًا في التقنيات الحديثة، مع التركيز على التربة شبه الاستوائية في شمال مدغشقر، الذي اشتهر لعشرات السنين بمحصول الفانيليا.
يقول الباحثون إنّ الجيولوجيا التي تساعد في جعل شمال مدغشقر واحدا من الأماكن القليلة المثالية لزراعة الفانيليا، تجعله ينتج أيضًا طينًا غنيًا يعرف باسم “التربة النادرة”، ويوفّر مجموعة من 17 معدنًا لها خصائص فريدة، تجعلها حيوية في إنتاج تقنيات، مثل توربينات الرياح والطائرات المقاتلة والهواتف المحمولة وآلات الأشعة السينية.
حاليًا، تسيطر الصين على حوالي 70 في المائة من الإنتاج العالمي للمعادن النادرة عبر مناجمها الواسعة ومنشآت الإنتاج في شمال وجنوب البلاد، المخصصة لضخ مخزون من العناصر بأسماء غريبة، مثل الديسبروسيوم والبروميثيوم.
ماهي المعادن الأرضية النادرة؟ ومن أين تأتي؟
يبدو أن هناك مجموعة مكونة من 17 عنصرا تحظى بتقدير لخصائصها المغناطيسية والكهروكيميائية الفريدة، وهي تشمل عناصر الغادولينيوم، اللانثانوم، السيريوم، البروميثيوم، الديسبروسيوم، الإربيوم، الأوروبيوم، الهولميوم، اللوتيتيوم، النيوديميوم، البراسيوديميوم، السماريوم، السكانديوم، التربيوم، الثوليوم، الإيتربيوم والإيتريوم، وهي عناصر حيوية في إنتاج عقاقير علاج السرطان والهواتف الذكية وتقنيات الطاقة المتجددة ومصافي تكرير النفط وصناعة الزجاج.
وقد تمّ تحديد أهمية هذه العناصر من قبل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية لقطاعات تشمل الدفاع الوطني. وتكمن ندرة هذه العناصر في محدودية أماكن تواجدها.
يمكن العثور على هذه المجموعة من المواد في قشرة الأرض، وكما سبق ذكره هناك عدد قليل من الأماكن في العالم التي تحتوي على مناجم لهذه المعادن. وتعتبر مسألة استخراج هذه المواد من باطن الأرض صعبة للغاية، كما أنها تلحق أضرارا بالبيئة حيث تتعرض النظم الإيكولوجية للخطر من خلال عمليات التعدين وإطلاق المنتجات الثانوية المعدنية من المصافي، مما يؤدي إلى تلوث المياه.
تعتبر الصين أكبر منتج لهذه المعادن بنسبة تصل إلى 70 في المائة من الإنتاج العالمي، كما توجد هذه المعادن في دول أخرى مثل ميانمار وأستراليا.