الأول عربياً وينتج 700 ألف سيارة سنويا.. هل أصبح المغرب دولة “محورية” في صناعة السيارات وقبلة كبرى الشركات العالمية؟
يشهد قطاع صناعة السيارات بالمغرب تطورا متسارعا منذ مطلع الألفية الجديدة، حيث ارتقت صناعة السيارات المغربية إلى مستويات نمو مستدامة بنسبة 20% سنويا، وأضحى قطاع صناعة السيارات قطاعا إستراتيجيا في السياسة الصناعية للمملكة المغربية.
ويحقق نموا سنويا مهما على مستوى إحداث فرص العمل والتصدير، إذ يوفر القطاع أكثر من 150 ألف وظيفة، ويقترب من علامة التصدير البالغة 100 مليار درهم (الدولار يساوي 9.13 دراهم مغربية).
تسارع استثماري
شهدت الأشهر الأخيرة، على الرغم من كونها مرحلة أزمة وسنة ركود اقتصادي وتجاري، تسارعا في الاستثمارات الدولية الصناعية في مجالات السيارات بالمغرب، حيث جذب المغرب شركات دولية كبرى وعلامات رائدة.
ووقّع المغرب في 12 يناير/كانون الثاني الجاري، اتفاقا لإقامة 4 مصانع في قطاع صناعة السيارات مع المجموعتين اليابانيتين يازاكي (Yazaki) وسوميتومو (Sumitomo)، باستثمارات تبلغ قيمتها الإجمالية 912 مليون درهم ستوفر 8300 فرصة عمل.
وقبلها بأسابيع تم التوقيع على إنشاء مصانع أخرى مع شركاء ومستثمرين رائدين في المجال، منهم المصنع الأميركي “أدينت” (ADIENT) للمعدات الأصلية للسيارات، الذي ينجز استثمارا عبر إنشاء وحدة إنتاج أغشية (أغطية) المقاعد وإطلاق منظومة صناعية للموردين ومركز تقني وهندسي.
وبلغت قيمته الإجمالية حوالي 19 مليون دولار (15.5 مليون يورو)، وسيسمح بتوفير 1600 منصب شغل (فرصة عمل) وتحقيق رقم معاملات خاص بالتصدير، تبلغ قيمته 60 مليون يورو (73 مليون دولار).
ونهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، افتتحت مجموعة “ديكاستال موروكو أفريكا” (Dicastal Morocco Africa) الخاصة بإنتاج إطارات العجلات من الألومنيوم مصنعها الثاني بمنطقة تسريع التنمية الصناعية للقنيطرة.
منصة تصديرية
صرح وزير الصناعة مولاي الحفيظ العلمي بأن الاستثمارات الجديدة تعكس مدى مرونة وقدرة تأقلم قطاع الصناعة المغربي، وتمثل عربون ثقة في منصة الإنتاج المغربية التي توفر جودتها وأداؤها وتنوعها لرواد الصناعة العالمية آفاقا مستقبلية وتنموية واعدة.
وقال الوزير عقب توقيع بروتوكول الاتفاق مع الشركتين اليابانيتين إن المغرب في طريقه لأن يصبح المنصة الأكثر تنافسية في العالم بقطاع السيارات. وأضاف العلمي أن المغرب ماض في تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي من خلال تحسين مستوى الاندماج والتحول نحو الإنتاج الصناعي الخالي من الكربون.
وتَعزّز موقع المغرب كمحطة إنتاجية وتصديرية للمعدات والسيارات باستقرار مجموعات أجنبية ذات سمعة عالمية مثل “سان جوبان” (SAINT-GOBAIN)، و”سويس” (SEWS)، ويازاكي (YAZAKI)، وكذلك “دلفي” (DELPHI)، و”باميسا” (BAMESA)، و”جي إم دي” (GMD)، فضلا عن “سنوب” (SNOP)، و”رينو” (RENAULT)، وسجلت صادرات القطاع أداء جيدا في أول شهرين من الربع الرابع من 2020 بزيادة 8.8%.
ويرى المحلل الاقتصادي عبدالنبي أبو العرب، في حديث مع الجزيرة نت، أن المغرب اليوم من أهم المنصات الدولية في صناعة السيارات، ويتمركز بقوة على المستوى الدولي، مذكرا أنه الأول على المستوى الأفريقي.
وطوّر المغرب بناء منظومة متكاملة من الصناعات المرتبطة بقطاع السيارات، إذ يتوفر على 10 منظومات صناعية مرتبطة بالأسلاك الكهربائية والميكانيك والبطاريات والمقاعد وغيرها.
ويرى أبو العرب أن تكثيف الاستثمارات على مستوى هذه القطاعات الجزئية المرتبطة بصناعات السيارات بشكل أشمل، سيمكّن المغرب من توفير منظومة متكاملة لتصنيع سيارة مغربية 100%.
عرض تنافسي
يربط أبو العرب تناسبيا ارتفاع كثافة الاستثمارات ونجاح المغرب في توفير المنظومة المتكاملة “الإيكوسيستم” (Ecosystem) بارتفاع تنافسية القطاع على المستوى الدولي، معتبرا أن المغرب يحتل موقعا دوليا جيدا خاصة في عروض الإعفاء الضريبي وتوفير مناطق حرة، والمساعدات في تكوين (إعداد) الكفاءات اللازمة للقطاع.
ويعتبر المغرب أن تكوين الموارد البشرية ميدان إستراتيجي في مخطط تسريع التنمية الصناعية 2014-2020، ويهدف قطاع صناعة السيارات إلى خلق سوق للموارد البشرية المؤهلة من خلال إقامة معاهد لمهن صناعة السيارات وتقديم مساعدات مباشرة في تكوين الموارد.
ويضيف أبو العرب أنه من بين مؤشرات تنافسية العرض المغربي موقع المغرب الذي يجعل منه منصة صناعية موجهة للتصدير نحو سوقين من أهم الأسواق الدولية استهلاكا للسيارات، هما السوق الأوروبي والأميركي، بالإضافة لوجوده على بوابة السوق الأفريقي.
ويرى أبو العرب أن المغرب في موقع تنافسي للاستجابة للسوق الأفريقي، لأنه مصنف عالميا في ما يخص صناعة السيارات الاقتصادية ذات الكلفة المنخفضة.
وما زال المغرب يعد بالكثير من الفرص التنافسية في مجال الاستثمار بقطاع السيارات، وأمامه فرص لنيل حصص في السوق الأميركية بالنظر لتوفره على اتفاق للتبادل الحر معها.
ويراهن المغرب حاليا على تكوين الأطر والموارد البشرية المؤهلة القادرة على الانخراط في السيرورة العامة للقطاع أو تطويره، على اعتباره مفتاح الانتقال إلى القدرة الذاتية في الصناعة المغربية من أجل علامة مغربية محلية، عبر رفع نسبة الاندماج التي لا تزال في حدود 65%.
تحوّل المغرب إلى قِبلةً للشركات العالمية
تحول المغرب إلى قبلة هامة لشركات السيارات الأوروبية والآسيوية، عبر إقامة نقاط لتصنيع وتجميع المركبات في سوق واعدة، شهدت تطورا متسارعا منذ مطلع الألفية الجديدة.
تبلغ الطاقة الإنتاجية للسيارات في المغرب، 500 ألف سيارة في مصنعي “رينو” في طنجة والدار البيضاء، بينما تتجه “بيجو” نحو مضاعفة إنتاجها بالقنيطرة من 100 ألف إلى 200 ألف سيارة هذا العام.
ويتوفر البلد على 10 منظومات صناعية مرتبطة بصناعة السيارات، تتعلق بالأسلاك الكهربائية والميكانيك والبطاريات والمقاعد وإطارات السيارات، في محاولة لتحقيق منظومة متكاملة تمكن من تصنيع سيارة مغربية بنسبة 100 بالمئة.
وللمملكة قصة نجاح في صناعة السيارات، باتت معها أكبر منتج للسيارات في إفريقيا، وثالث أكبر منتج عالميا بعد الصين والهند، بإنتاجها سيارة كل دقيقة ونصف، وفق تصريح لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني.
الثالثة عالميا
وفي 23 يونيو / حزيران الماضي، قال وزير الصناعة والتجارة المغربي حفيظ العلمي، كذلك، إن بلاده تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث التنافسية في صناعة السيارات، بعد الهند والصين.
جاء ذلك في عرض قدمه العلمي أمام لجنة برلمانية بمجلس النواب حول “تقييم مخطط تسريع التنمية الصناعية 2014 – 2020”.
وأضاف العلمي: “نعمل على تقوية تنافسية القطاع ونقترب من الصين، بل ينبغي أن نصل إلى مستوى الهند في التنافسية.. ننتج 700 ألف سيارة سنويا، يتم تصدير 90 بالمئة منها، معظمها إلى أوروبا”.
وأضاف أن “القيمة المضافة للسيارات التي تصنع في المغرب تبلغ 60 بالمئة، ونتمنى في السنوات المقبلة أن نصل إلى 80 بالمئة من القيمة المضافة”.
وذكر الوزير المغربي، أن عائدات صناعة السيارات على اقتصاد المملكة تبلغ 31.6 مليار درهم (حوالي 3.6 مليارات دولار).. المغرب يضم 251 معملا لصناعة السيارات، توظف أكثر من 160 ألف شخص.
القيمة التصديرية
يرى عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط (حكومية)، أن قطاع صناعة السيارات، “يمكن البلد من أكبر قيمة تصديرية، تتجاوز ضعفي تصدير الفوسفات الذي يعتبر كنزا للاقتصاد المغربي”.
وقال الكتاني في تصريح للأناضول: “لا تعتبر المسألة فقط بقيمة المداخيل، لكن القيمة المضافة المغربية تصل 60 بالمئة وقد ترتفع إلى 80 بالمئة، وهذا معناه كسب الخبرة أولا”.
وتابع: “عشرات الآلاف من المهندسين يشتغلون بالقطاع، وهذا مفتاح كبير لمدارس الهندسة في المغرب، التي أنتجت أطرا جيدة، بدليل أن السيارة المصنعة محليا أكثر جودة مقارنة مع نفس أنواع السيارات المصنعة في آسيا”.
نمو متصاعد
وبلغت قيمة الصادرات المغربية من السيارات 3.91 مليارات دولار، في الأشهر الـ 5 الأولى من العام الجاري، وفق مكتب الصرف (حكومي).
وقال المكتب في إحصائيات نشرها في 6 يوليو/تموز الماضي: “إن صادرات البلد من السيارات نمت بـ 49.5 بالمئة حتى نهاية مايو/أيار 2021، مقارنة بنفس الفترة من 2020”.
وزاد: “هذا الارتفاع يُعزى أساسا إلى زيادة حجم مبيعات قطاع التركيب بـ 44 بالمئة، والكابلات بـ 47.4 بالمئة، ولوازم السيارات بـ 41 بالمئة”.
البحث العلمي
وذهب الخبير الاقتصادي الكتاني، إلى القول بأن بلده “استثمر أيضا في مجال البحث العلمي المتعلق بصناعة السيارات.. حجم الاستثمارات المغربية في مجال السيارات، دفع البلد إلى إنشاء مختبرات لتطوير هذه الصناعة”.
وفي 21 ديسمبر/كانون أول الماضي، كشف المغرب عن نموذج محطة لشحن السيارات الكهربائية تم إنتاجها محليا.
وقالت وزارة الصناعة والتجارة في بيان آنذاك، إن “محطة الشحن، تعد ثمرة مشروع بحث تم تطويره بطلب من صُّناع قطاع السيارات”.
كسب التحدي
من جهته، قال الخبير الاقتصادي المغربي المهدي فقير: “الأمر يتعلق بتحدي رفعه المغرب منذ سنوات، وتمكن من كسبه بفضل التخطيط المسبق والقراءة الجيدة للآفاق”.
وأضاف فقير في تصريح للأناضول: “البلد أطلق إستراتيجية التسريع الصناعي في أبريل/نيسان 2014، وراهن على قطاع صناعة السيارات، بهدف إعادة هيكلة المنظومة الاقتصادية”.
وتابع: “عمل البلد أولا على تأهيل بنياته الأساسية، في مقدمة ذلك توسيعه لميناء طنجة المتوسطي، ليصبح أكبر موانئ إفريقيا ينشد قيادة تجارة القارة”.
استثمارات متتالية
خلال السنوات الماضية، وقع المغرب عددا من الاتفاقيات لإنشاء مصانع للسيارات في مناطق مختلفة من البلاد، آخرها اتفاقيتين مع شركتي صناعة الكابلات اليابانيتين “يازاكي” و”سوميتومو” لإنشاء أربعة مصانع جديدة للشركتين في المغرب.
الاتفاقيتان وقعتا في 12 يناير/كانون الثاني الماضي، وستبلغ التكلفة الإجمالية لتشييد المصانع الجديدة، 912 مليون درهم (103 ملايين دولار).
وفي 14 ديسمبر الماضي، وقع بروتوكول اتفاق لإنشاء مصنع أمريكي، تبلغ قيمته الاستثمارية 15.5 مليون يورو (18.4 مليون دولار).
وقالت وزارة الصناعة والتجارة المغربية، في بيان آنذاك: “المصنع الجديد سينتج أغشية مقاعد للسيارات، وسيضم مركز تقني وهندسي”.
المصادر : مواقع الكترونية عربية – الاناضول – الجزيرة