تمتلك مليارات الألواح التي يمكنها تغطية نصف الكرة الأرضية.. كيف أصبحت مشروعات الطاقة الشمسية في الصين تلتهم الأراضي الصالحة للزراعة؟.. إليك قصة الصين المدهشة
تمتلك مليارات الألواح التي يمكنها تغطية نصف الكرة الأرضية.. كيف أصبحت مشروعات الطاقة الشمسية في الصين تلتهم الأراضي الصالحة للزراعة؟.. إليك قصة الصين المدهشة
يُعدّ مقدار الأراضي الزراعية الخصبة التي يمكن أن تلتهمها مشروعات الطاقة المتجددة في الصين أبرز المخاطر التي تعترض سبيل خطط تسريع توسّع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في البلاد، وفق المعلومات التي رصدتها منصة “الطاقة” المتخصصة.
وتمثّل الفيضانات وموجات الجفاف ومشكلات الإمدادات الغذائية اختبارًا عمليًا للسلطات الصينية، بشأن مقدار الأراضي الصالحة للزراعة التي يمكن أن تخسرها البلاد.
وشهدت مشروعات الطاقة المتجددة في الصين انتشارًا واسعًا، بعد إعلان الرئيس الصيني شي جين بينغ هدف تحقيق الحياد الكربوني في البلاد بحلول عام 2060، حسبما نشرت وكالة بلومبرغ في 10 أغسطس/آب الجاري.
وحفّز ذلك الإعلان الحكومات المحلية في الصين للسماح بمزيد من مشروعات طاقة الرياح ومزارع الطاقة الشمسية على نطاق واسع.
وقد أظهر تفشّي وباء كوفيد-19 والأحوال الجوية القاسية الأخيرة مدى تعرُّض البلاد لاضطرابات في الإمدادات الغذائية.
تراجُع الأراضي الصالحة للزراعة
تُعدّ الأراضي الصالحة للزراعة محدودة نسبيًا بالنظر إلى استهلاك الأغذية لدى سكان البلاد البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، إذ ابتلع النمو الحضري مساحات كبيرة من التربة الخصبة في المقاطعات الشرقية والوسطى المكتظة بالسكان.
ونظرًا لإعطاء الإدارات المحلية الصينية الآن الأولوية للحماية البيئية والأمن الغذائي، تخضع خطط بناء مشروعات الطاقة المتجددة في الصين، خاصة محطات الطاقة الشمسية الكبيرة والجديدة، لمزيد من التدقيق.
علاوة على ذلك، تُعدّ الصين حاليًا أكبر منتج للطاقة المتجددة في العالم، ولديها القدرة على توليد نحو 679 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بالإضافة إلى 390 غيغاواط أخرى من الطاقة الكهرومائية، حسب تقرير اطّلعت عليه منصة “الطاقة” المتخصصة.
وأُضيفَ أكثر من خُمس الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الصين منذ عام 2020.
وستقرّب خطط الحكومات المحلية للتوسع في انتشار مشروعات الطاقة المتجددة في الصين موعد الوصول إلى هدفها لعام 2030، البالغ 1200 غيغاواط بأكثر من 5 سنوات، إذا نُفِّذَت بالكامل.
لكن في مايو/أيار، أصدرت وزارة الموارد المائية قرارًا يحظر مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في بعض المجاري المائية والبحيرات والخزانات، بجزء من تدابير لحماية البيئة ومنع التوسعة المفرطة التي يمكن أن تعرقل السيطرة على الفيضانات.
ويوجد مشروع قانون منفصل قيد النظر من جانب 3 وكالات حكومية صينية، بما في ذلك وزارة الموارد الطبيعية، من شأنه أن يحظر مشروعات الطاقة الشمسية الجديدة من الأراضي المزروعة أو الغابات.
وتقوم بعض السلطات المحلية حاليًا بتقييد التوسع الزائد في تنمية وتطوير مشروعات الطاقة المتجددة في الصين.
وتمّ تفكيك جزئي لمحطة طاقة شمسية عائمة بسعة 1 غيغاواط تغطي 70% من بحيرة كبرى هذا العام في مقاطعة جيانغسو، بعد أن قالت السلطات المحلية: إنها “شّيِّدت بشكل غير قانوني” و “عرقلت تصريف الفيضانات”.
تدابير حماية الأراضي
تَسبَّب التحول في أولويات نشر مشروعات الطاقة المتجددة في الصين بمأزق لبعض الحكومات الإقليمية، خصوصًا تلك الموجودة في مناطق الشرق المتحضرة.
وعلى الرغم من تكليف تلك الحكومات الإقليمية بإزالة الكربون بسرعة، بموجب تعهد المناخ الوطني الصيني، فإنها تواجه أيضًا “اعتراضًا” من جانب الحكومة المركزية بهدف حماية الأراضي الزراعية.
وقال المحلل في شركة البيانات المالية “رينفينيتيف”، تشين يان، إن التوسع في الطاقة المتجددة كان يعدّ “إنجازًا سياسيًا”، ولهذا السبب كانت بعض السلطات “تتوسع في تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل مفرط”.
وأكّد أن بعض المشروعات تنتهك قواعد الحماية البيئية وحماية الأراضي المزروعة؛ إذ رصدت السلطات البيئية المشكلة وتحاول تنظيمها.
إستراتيجيات بديلة
قد يشجع إعطاء الصين الأولوية للمحاصيل الزراعية مطوّري الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على تبنّي إستراتيجيات بديلة، وفق ما اطّلعت عليه منصة “الطاقة” المتخصصة.
وتتمثل الإستراتيجية الأولى بدمج أنظمة الطاقة المتجددة في المزارع بطريقة لا تحدّ من إنتاج الغذاء، مثل تركيب الألواح الشمسية فوق حظائر الحيوانات والمباني الزراعية، ووضع توربينات الرياح بمنأى عن العمليات الزراعية.
وأطلقت الصين، منذ العام الماضي، برامج مثل برنامج نشر الألواح الشمسية على الأسطح في أنحاء البلاد، من أجل تغطية أكثر من نصف المباني العامة والمصانع المبنية حديثًا بألواح شمسية بحلول عام 2025.
وتتطلع الإستراتيجية الثانية إلى التوجه غربًا، والمناطق الأقلّ كثافة سكانية، أو المناطق الجبلية والصحراوية ذات الإمكانات الزراعية المنخفضة، أو استخدام الأراضي المتضررة حاليًا، مثل مناجم الفحم المهجورة.
الاتجاه نحو الصحاري
بدأت الصين في بناء 100 غيغاواط من مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، معظمها في الصحاري، ومن المقرر بناء 450 غيغاواط أخرى بحلول عام 2030، حسبما نشرت وكالة بلومبرغ في 10 أغسطس/آب الجاري.
إحدى المناطق التي تحظى باهتمام مطوّري الطاقة الشمسية هي صحراء غوبي، التي تمتد عبر الحدود الشمالية للصين مع منغوليا، حيث الأرض رخيصة والرياح وأشعة الشمس وفيرة.
ونظرًا لأن تلك الصحراء تبعد آلاف الأميال عن أكبر مدن البلاد والمراكز الصناعية المتعطشة للطاقة، فإن نقل الكهرباء يصبح مكلفًا.
وتعمل الصين على بناء خطوط نقل جديدة في جميع أنحاء البلاد، للمساعدة بالاستفادة من إمكانات الطاقة المتجددة في المناطق النائية.
وتمتلك الصين حاليًا 33 خطًا للكهرباء عالية التوتر، وتستثمر شبكة الكهرباء الحكومية، التي تشغل 88% من شبكة البلاد، 380 مليار يوان (56 مليار دولار) لبناء 38 خطًا إضافيًا لنقل الكهرباء بين عامي 2021 و 2025.
وعلى الرغم من أن هذه الحلول جيدة من الناحية النظرية، تدرك السلطات المحلية في الصين أنه يمكنها تحصيل عائدات كبيرة من مولدات الكهرباء مقارنة بمشروعات الطاقة المتجددة على الأراضي الزراعية التي ينتهك العديد منها القوانين، أو يخالفها.
معارضة القرويين
في وقت سابق من هذا العام، تصدَّرت معركة بين القرويين بمحافظة شينغ تانغ في مقاطعة خبي الشمالية وعمال من شركة للطاقة الشمسية عناوين الصحف الوطنية الصينية.
استأجرت الحكومة المحلية أراضيَ زراعية لـ 200 ميغاواط “مزرعة شمسية زراعية”، وغضب المزارعون بعد أن جرفت الشركة 6.7 هكتارًا (16.6 فدانًا) من حقول القمح الذي كان شبه ناضج.
ويشير القلق المتزايد بشأن الأراضي الصالحة للزراعة إلى أنه من غير المحتمل أن يكون هناك أيّ تطوير لمحطة كهرباء على نطاق المرافق في المناطق الوسطى والشرقية، بعد هذا العام.
وسيكون معظم نمو مصادر الطاقة المتجددة في الصين خلال السنوات الـ3 المقبلة في الصحاري الشمالية والغربية، وفقًا للأمين العام لمجموعة الصين الجديدة للاستثمار والتمويل في مجال الطاقة، بينغ بينغ.
المصدر: مواقع إلكترونية