وعيونك سود يا محلاهم.. صباح فخري كان مخطئًا فلا وجود للعيون السوداء وإليك الدليل!
على مدارِ العصور، كانت العيون السود هي بطلةُ كل الأشعارِ والقصائد، تغزّل بها الشعراء وتغنّوا، من امرئ القيس وعنترة إلى نزار قباني وإيليا أبو ماضي، تمرّ السنون ولا يمرّ سحرُ العيون السوداء ولا يخفُت، يظلّ يطاردهم ويحتلّ كلماتهم. ولكن السؤال الذي يلحّ في طرحِ نفسه هُنا هو هل حقًا يمتلك أحدنا عيونًا سوداء تمامًا؟ أم أنها مجرد وهم وضرب من خيال؟
في مقالي اليوم، قررتُ أن أبتعد عن الأشعار والأغنيات قليلًا وأعود لتكويننا الفسيولوجيّ، باحثةً بعيونٍ فضوليّة عن حقيقيةِ العيون السوداء، فهلّا شاركتموني هذه الرحلة الفريدة من نوعِها؟
كيف يتم تحديد لون العين الخاصة بكل شخص؟
تتكون العين من أجزاء عديدة، أولًا بؤبؤ العين، وهو الجزء أسود اللون الموجود في منتصف العين، ومن ثم يليه جزء ملون وهو ما يعرف بقزحية العين أو Iris.
ومن المدهش أن قزحية العين تتحكم في كمية الضوء التي تدخل إلى العين عن طريق توسيع وتضييق البؤبؤ، حيث يتوسع البؤبؤ في الظلام ليسمح بعبور كميات أكبر من الضوء وبالتالي رؤية أفضل، ويضيق في وجود كمية كافية من الضوء.
ومن الجدير بالذكر أن عدسة العين هي جزء شفاف تمامًا ولا تلعب دورًا في تحديد لون العين، كما أن اكتسابها للون الأسود لا يعد أمرًا طبيعيًا بل يتسبب في قتامة في الرؤية، ومن أمثلة ذلك المياه البيضاء التي تصيب العين.
ولكن هل نولد بنفسِ لون العين الذي نموت به؟ في الواقع لا، بل المُدهش في الأمر أنّ لون العينين يستمر في التغير خلال الثلاث سنوات الأولى من عمرِ الطفل، ويأخذنا هذا للسؤال الذي يليه، ألا وهو كيف يتم تحديد لون العين الخاصة بكل شخص؟
طبقاً لدراسةٍ أمريكية معتمدة يعدّ اللون الرمادي من أكثر الألوان ندرةً، ومن ثم يأتي اللون الأخضر بعده مُباشرةً والذي يشكل ٢٪ فقط من إجمالي سكان الكرة الأرضية، ثم تأتي بقية الألوان، ولكن ماذا عن اللون الأسود، بطلُ مقالنا اليوم؟
اعتقد العلماء قديمًا أن لون العينين يتم تحديده عن طريق چين واحد فقط، ولكن بعد ذلك اكتشفوا أنه يتم تحديد لون العين عن طريق العديد من الچينات يصل عددها إلى ١٦ چينًا، أهمها هو OCA2 و HERC2 المتواجدان على كروموزوم 15، حيث يحمل كلاهما على عاتقِه مهمة تحديد كمية صبغة الميلانين الموجودة في قزحية العين.
نسب ألوان عيون البشر
وتنتج ألوان عيون البشر المختلفة سواءً كانت خضراء، رمادية، زرقاء أو بنيّة نتيجةً لاختلافِ تركيز نسبة الميلانين، مع الأخذ بالاعتبار أن اللون الأغمق هو البنيّ ولا يصل أبدًا لدرجة السواد مهما زاد تركيز الميلانين. كما أثبتت الدراسات أن الصبغة المكونة للون العين هي مزيج من صبغة الميلانين بنية اللون والليبو كروم صفراء اللون، وتختلف الألوان وتتدرّج باختلاف نسبة كلٍ من تلك الصبغات.
كيف ترى أعيننا اللون الأسود؟
تمتصّ الأشياء السوداء كميةً كبيرة من الضوء لتظهر بهذا اللون، وبالتالي تتحول هذه الكمية المهولة من الضوء إلى طاقة حرارية يتم تخزينها. وبعد امتصاص الشيء لكل الضوء الواقع عليه، لا يعكس أي ضوء وبالتالي نراه بشكلٍ معتم ويظهر اللون الأسود.
لماذا لا يوجد أشخاصٌ بعيونٍ سوداء خالصة؟
كما ذكرنا من قبل، أي شيء يمتلك اللون الأسود يمتلك أيضًا طاقة حرارية بكميات كبيرة، لذلك فإذا افترضنا أن أعيننا سوداء خالصة، فسوف يتطلب ذلك إفراز الدموع بكميات مهولة لترطيب العين والحدّ من الحرارة المرتفعة التي تضرّها.
كما أن الأشياء السوداء تمتص الأشعة فوق البنفسجية بكميات أكبر من جميع الألوان الأخرى، ومن الجدير بالذكر أن الأشعة فوق البنفسجية تتسبب في العديد من المشاكل الصحية مثل إعتام عدسة العين وهو ما يسمى بالمياه البيضاء (cataract) أو حتى قد يصل الأمر للإصابة بالسرطان.
ولكن من حسن الحظ أن الميلانين يحجب حوالي ٩٩,٩٪ من أشعة الشمس فوق البنفسجية التي تتسبب في أضرارٍ بالغة.
لذلك إذا افترضنا امتلاك أي شخص عينين سوداوين تمامًا فإن ذلك سيتسبب في العديد من الأضرار حيث ستقوم القزحية بتخزين كميات كبيرة من الطاقة الحرارية التي تتطلب إفراز العديد من الدموع للحد من درجة الحرارة المرتفعة، كما سيؤثر على صحة العين من خلال امتصاص الأشعة فوق البنفسجية، وهما شيئان كان من شأنهما أن يجعلا حياة الإنسان أشبه بالجحيم.
هل من الممكن أن يمتلك الإنسان عيونًا سوداء؟
امتلاك أي إنسان عيونًا سوداء يعدّ أمرًا مستحيلًا، ويُعد السبب الرئيسي هو لون مادة الميلانين وهي مادة بنية، بالتالي مهما زادت نسبتها فإن ذلك يزيد من تركيز اللون البني ولكن لن يصل الأمر للونِ الأسود الخام.
ولكن قد يُخَيل إلينا في بعض الأحيان أننا نرى أناسًا بعيون سوداء فما السر وراء ذلك؟
ربما يكون هذا الأمر بسبب استخدام العدسات اللاصقة السوداء، أو تلاعب الإضاءة الموجهة إلى عيني الشخص والمنعكسة منهما، وتأثرها بالألوان المحيطة مثل ملابس الشخص أو لون الحائط في الغرفة التي يتواجد بها.
ما هو أغرب لون يمكن لعينيْ شخص أن تمتلكه؟
قد يمتلك بعض الأشخاص المصابين بالمهق (ocular albinism) عيونًا بنفسجية أو حمراء اللون، ولكن عادةً ما يمتلكون عيونًا زرقاء فاتحة اللون حيث يتسبب هذا المرض في انخفاض نسبة الميلانين في الجسم. كما قد يمتلك بعض الأشخاص عينين بألوان مختلفة وهو ما يسمى بتغاير لون القزحيتين، فقد يمتلك عينًا زرقاء وأخرى خضراء.
العيون السوداء والإنسان القديم
من المدهش أن أجدادنا القدماء كانوا يمتلكون عيونًا شديدة القتامة، حيث امتلكوا عيونًا باللون البني الغامق الذي يميل للسواد، ويرجع ذلك لوجود الچين المسؤول عن ظهور هذا اللون بكثرة في البشر قديمًا، قبل أن يجوب الإنسان الأرض ويكتشف أقاصيها. ومع انتقال البشر من مكانٍ لآخر، وتغيّر المناخ والتضاريس، تغيرت الچينات بدورِها واختلّت نسبُ الميلانين وبالتالي تأثرت وظيفته وبدأت ألوان العيون الخاصة بالبشر في الاختلاف والتبايُن.
يؤمن العلماء أن البشر جميعًا كانوا يمتلكون عيونًا بنية اللون، ولكن مع تغيرات الحياة حدثت بعض الطفرات في الچين OCA2 وهو أحد الچينات المعنيّة بتحديد لون القزحية كما ذكرنا مسبقًا، وبالتالي توقف هذا الچين عن العمل بشكل مؤثر في بعض الأشخاص، ما أدى إلى ظهور العيون فاتحة اللون مثل العيون الزرقاء والخضراء، ولذلك إلى يومنا هذا، يعدّ اللون البني هو لون العينين الأكثر انتشارًا.
أخيرًا وليس آخرًا، فإنّ العلماء يعتقدون أنّ ألوانًا جديدة للعيون ستتطور في المستقبل مع تطور الجينات أكثر فأكثر، ولكن الأمر الأكيد هو أن البشر لن يمتلكوا أبدًا عيونًا سوداء وإن بدا لهم غير ذلك.