مشروع أنبوب الغاز العربي بين العراق و أوروبا.. أطول خط غاز في العالم يواجه مأزق الخلافات الداخلية
يصطدم مشروع تصدير الغاز من إقليم كردستان العراق إلى أوروبا بجملة معوقات داخلية وخارجية، ورغم أنه يحتاج إلى عدة سنوات ليرى النور في حال تم اعتماده، فإن الخلافات بشأنه تفجرت منذ الأيام الأولى لبدء التحركات الرسمية.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن في فبراير/شباط الماضي بحث مشروع استيراد الغاز مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، الذي أكد أنه سيناقش الأمر مع حكومة بغداد.
ويأتي الحراك الكردي الأخير ضمن مساعي الإقليم نحو تعزيز استقلاله الاقتصادي، فبعد تصدير النفط بمعزل عن حكومة بغداد، جاء دور فتح ملف الغاز مع أوروبا في ظل توجه القارة العجوز للبحث عن بدائل للغاز الروسي بعد الحرب على أوكرانيا.
خلافات داخلية
لكن الخلافات المتفاقمة بين الحزبين الكبيرين في إقليم كردستان (الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني) -إلى جانب خلافات الإقليم مع الحكومة الفدرالية في بغداد- تعد أهم المعرقلات أمام مشروع غاز الإقليم نحو أوروبا.
عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، مهدي الفيلي، رأى أن رفض بعض الأحزاب هذا المشروع الوليد يأتي لأسباب سياسية، وليس اقتصادية، معتبرا أن المشروع يصب في مصلحة الإقليم والعراق بشكل عام.
ويؤكد الفيلي -للجزيرة نت- أن المشروع يحتاج إلى فترة زمنية ليست بالقصيرة، لإكمال ما يتطلبه من معطيات وأوليات، وعند إتمام ذلك ستحصل التوافقات داخل إقليم كردستان، بالإضافة إلى إطلاق مباحثات موسعة مع حكومة بغداد.
وإلى جانب التنافس المحتدم حيال منصب رئيس الجمهورية في الحكومة الاتحادية، وعدم التوصل إلى حلول نهائية بشأن معادلة الحكم الداخلي، فإن الخلافات حول هذا المشروع بين الحزبين الكرديين قد تكبح تلك المساعي في حال عدم إيجاد مقاربات مقبولة من أطراف الخلاف.
وعقب انطلاق حراك رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني للتسويق للمشروع الجديد، أعلن رئيس حزب الاتحاد الوطني بافيل طالباني، نجل الرئيس العراقي الأسبق الراحل جلال طالباني، معارضته الواضحة لمد الأنبوب من مدينة السليمانية التي يسيطر عليها حزبه.
وقال طالباني -في بيان صدر الأسبوع الماضي- “لن نقف مكتوفي الأيدي أمام اللاعدالة واللاشفافية، والاحتكار والتمييز، وإهدار الواردات العامة وسيكون لنا موقفنا، إذ يجب توضيح العقود وفقراتها إلى أبناء شعب كردستان، ولا نريد جلب مآسي أخرى على الإقليم”.
وأضاف “أعلن هنا بأنه على جثتي سيُمد أنبوب الغاز إلى الخارج، إذا خالف ما يطلبه المواطنون ولم يكن في خدمتهم”.
في هذا الجانب، يقول القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غازي فيصل كاكائي إن “جميع الملفات -وليست ملف النفط والغاز فقط- يجب التفاهم بشأنها مع الحكومة الاتحادية في بغداد، وبما أن المادة (111) من الدستور تنص على أن الطاقة أو النفط والغاز هي ملك للشعب العراقي، لذلك لا نريد فتح ملفات أخرى معقّدة، وشائكة مع الحكومة الاتحادية”.
ويؤكد كاكائي -للجزيرة نت- أن “الاتحاد الوطني الكردستاني لا يرّحب بفتح ملفات خارج السياقات الدستورية والقانونية، وفي الوقت ذاته لا نُريد تصدير النفط والغاز خارج إطار الحكومة الاتحادية”، مشيرا إلى أن “السليمانية لا تريد أن يهدد ملف النفط والغاز السلم الأهلي والمجتمعي في العراق بشكل عام، وفي إقليم كُردستان بشكل خاص”.
“فيتو” روسي إيراني
وتشير إحصائيات وتقارير إلى أن احتياطي إقليم كردستان من الغاز الطبيعي يبلغ 5.6 تريليونات قدم مكعب، وهي كمية تجعل من الإقليم منطقة بارزة على مستوى العالم من حيث احتياطي الغاز، كما أن تلك الكمية قادرة على تلبية الطلب في العديد من الأسواق الإقليمية والعالمية، بما في ذلك حاجة تركيا ومختلف دول شرق المتوسط، ولسنوات عديدة.
وتقع الكثير من الحقول الغازية في محافظة السليمانية، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الوطني، مثل حقل بلكانة، وجمجمال، وحقل ميران، في حين يتحدث خبراء عن حاجة الإقليم إلى نحو 5 سنوات من العمل الإستراتيجي لبدء استخراج وتصدير الغاز في شكل تجاري.
ولم يعد خافيا رفض طهران مشروع تصدير الغاز الكردي إلى أوروبا، فعقب الهجوم الإيراني الذي استهدف أربيل، مارس/آذار الماضي، قال رئيس وزراء إقليم كردستان، مسرور بارزاني، إن “تطوير قطاع النفط والغاز في الإقليم قد لا يكون في مصلحة إيران المنتجة للطاقة”.
وأكد مسؤولون عراقيون وأتراك أنهم يعتقدون أن الهجوم كان بمنزلة رسالة متعددة الجوانب لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، غير أن الدافع الرئيس كان التشويش على خطة لضخ الغاز الكردي إلى تركيا وأوروبا.
الخبير في الشأن الكردي سامان نوح تحدث عن جملة إشكالات تواجه هذا المسار، وأبرزها التدخلات الإقليمية والدولية، إذ إن روسيا سترفض قيام الإقليم بتزويد أوروبا وتركيا بالغاز، فهي تصدّر الغاز بالفعل إليها، كما أن إيران ترفض ذلك بشكل قطعي، إذ يمكن للإقليم أن ينافس إيران على صادراتها الغازية إلى تركيا.
وأكد نوح للجزيرة نت وجود قلق شعبي من مسألة عدم تحقيق الاكتفاء المحلي، من الغاز الطبيعي قبل تصديره إلى دول أخرى، كما يحصل حالياً مع النفط، إذ ترتفع الآن أسعار البنزين، والنفط الأبيض مقارنة بباقي المحافظات العراقية، وهي مشكلة تؤثر على دخل المواطن.
وأشار إلى حديث داخلي بأن سيناريو تصدير الغاز الطبيعي سيكون مماثلاً لملف النفط؛ إذ يصدر الإقليم من دون تحقيق الاكتفاء الذاتي المحلي، وهو ما انعكس سلبا على حياة المواطنين.
أما المحلل السياسي علي البيدر، فيرى ضرورة المضي في إنفاذ هذا المشروع، بوصفه من المشاريع المهمة والإستراتيجية للعراق، التي تعزز موارده المالية، فضلاً عن استخدام هذا الملف ضمن الأوراق السياسية.
يضيف البيدر -للجزيرة نت- أنه ينبغي النظر إلى المشروع بشكل أوسع، ومن زوايا مختلفة؛ فهو سيسهم في تجميل صورة العراق أمام المجتمع الإقليمي وحتى الدولي، ويمكّنه من المواجهة والاعتماد على نفسه، ويعزز وضعه داخل نادي الطاقة الدولي، لافتا إلى “ضرورة إطلاق حملة عراقية واسعة، من جميع الأطراف لإنجاح مثل تلك المشاريع”.ِ
اقرأ أيضاً: العراق يسعى لمعالجة الغاز المصاحب واستغلاله في توليد الكهرباء
يحيط أحد أكبر حقول النفط في العالم مدينة البصرة في جنوب العراق بسحب من اللهب والدخان ناجمة عن حرق الغاز المصاحب، وتسعى السلطات إلى إطفاء هذه النيران بحلول عام 2030 عبر معالجته، لكن الطريق إلى ذلك لا يزال طويلا.
والعراق أحد أكبر منتجي النفط في العالم وهو ثاني أكثر دولة، بعد روسيا، تحرق الغاز المصاحب.
ومنذ بدء إنتاج النفط في العالم، بدأ معه حرق الغاز الصادر أثناء استخراج النفط الخام. وتحرق الشركات النفطية الغاز لأن ذلك أقل تكلفة من معالجته وبيعه، إلا أن هذا الغاز المحترق مصدر كبير لتلوث الهواء وانبعاثات الغازات الدفيئة.
وفي بلد يستورد كميات كبيرة من الغاز لتشغيل مولدات الكهرباء، قد تسهم معالجة الغاز في وضع حدّ لمشكلة الطاقة المزمنة، وفق الخبير في مجال النفط يسار المالكي، ويمكن للكميات المهدورة، عند معالجتها، أن توفّر الكهرباء لأكثر من 3 ملايين منزل في العراق.
فعلى الطريق المؤدي إلى مداخل البصرة، تلوح سحب الدخان الأسود في الأفق، رغم أن حقول النفط تبعد على الأقل نحو نصف ساعة عن مركز المدينة التي يقطنها نحو مليونين ونصف مليون شخص.
ويعالج العراق حاليا 1.5 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم من الغاز المصاحب، أي نصف الكميات التي تنبعث يوميا من هذه المادة.
وأعلنت وزارات النفط المتعاقبة على البلاد في السنين الماضية عن أهداف زمنية لوقف حرق الغاز، وانضم العراق في 2017 إلى مبادرة عالمية أطلقها البنك الدولي تقضي بوقف حرق الغاز بحلول عام 2030.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي تعهّد وزير النفط العراقي إحسان اسماعيل بأن “حرق الغاز بالحقول الجنوبية سينخفض في نهاية عام 2024 بنسبة 90%”.
لكن العراق زاد في العامين الماضيين الكميات المعالجة من الغاز المصاحب بنسبة 5% فقط، وفق وزارة النفط.
وتصطدم مشاريع العراق مع الشركات الأجنبية لاستثمار الغاز المصاحب بالبيروقراطية، والعراقيل السياسية والإدارية، ونقص الخبرات والتمويل.
الاعتماد على الغاز من الخارج
ويرى المالكي أن العراق لا يهدر الثروات فقط بحرق الغاز المصاحب، بل يخسر أيضا باستيراده الغاز من الدول المجاورة لسد حاجته من الطاقة.
ويستورد العراق 750 مليون قدم مكعب قياسي (من الغاز) من إيران في اليوم لسد الحاجة من الطاقة، وفق وزارة النفط، أي إن إيران توفّر ثلث احتياجات العراق من الغاز.
ويطرح الاعتماد في احتياجات الغاز على الجارة إيران إشكاليات عدة. ففي صيف 2021 الحارق، غرق العراق بالظلمة على مرّ أسابيع بعدما قطعت إيران الإمدادات.
وتعدّ محافظة البصرة نقطة ثقل إنتاج النفط في العراق، وتطلق “أكبر 5 حقول للنفط” فيها نسبة “65% من الغاز المحروق حاليا”، وفق البنك الدولي.
وتعالج شركة غاز البصرة معظم الغاز المصاحب حاليا بمعدّل مليار مقمق، من 3 حقول نفط في البصرة. وغاز البصرة شركة خاصة تتوزع أسهمها على 3 أطراف: شركة “شيل” البريطانية بنسبة 44%، و”غاز الجنوب” الحكومية (51%)، و”ميتسوبيتشي” اليابانية بنسبة 5%.
ويقول مدير الشركة الإداري مالكوم مايس إن شركته تطوّر مشروع البصرة للغاز الطبيعي في حقل أرطاوي، من أجل “رفع قدرتنا على المعالجة إلى 1.4 مليار قدم مكعب قياسي في اليوم”.
وتبلغ كلفة المشروع مليارا ونصف المليار دولار، ويتضمن بناء محطتين للمعالجة “ستفعّل الأولى في مايو/أيار 2023، أما الثانية فمن المقرر تفعيلها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023″، وفق مايس.
وأبرم العراق في سبتمبر/أيلول عقدا مع شركة “توتال إينرجيز” يتضمن 4 مشاريع “متكاملة، بين الغاز والطاقة الشمسية والكهرباء والنفط”، وفق ما أوضحت الشركة الفرنسية.
وتبلغ قيمة العقد 10 مليارات دولار، وأبرز بنوده معالجة الغاز المصاحب. ويفترض أن يكون تطويره على مرحلتين: الأولى تستثمر 300 مليون قدم مكعب قياسي والثانية كمية مضاعفة، وفق وزارة النفط العراقية.
وأوضحت “توتال إينرجيز” أن المشروع “يغطي بناء شبكة تجميع ووحدة معالجة للغاز الذي يحرق حاليا في 3 حقول نفط”. ويفترض “البدء بتشغيل هذا المصنع بحلول عام 2026”.
ويفتقر العراق كذلك إلى الخبرات، ويقول موظف في القطاع -فضل عدم الكشف عن هويته- إن “وجود الشركات الأجنبية يطوّر من خبراتنا التي استنزفت جراء سنوات من الحروب والإهمال، وهجرة العديد من المختصين العراقيين بحثا عن فرص أفضل في الخارج”.
كما يعمل العراق على مشروعين آخرين على الأقل لاستثمار الغاز المصاحب، أحدهما في الناصرية وآخر في ميسان بطاقة 300 مليون قدم مكعب قياسي، وقد أنجز 51% منه، كما أعلنت وزارة النفط.
وقال وزير النفط إن كل تلك المشاريع تموّل “مباشرة من الموازنة العامة”، باستثناء مشروع “توتال” الذي “يموّل بنسبة 60% من توتال و40% من الدولة”.
المصدر : الجزيرة – الفرنسية – مواقع إلكترونية