اقتصاد

شركات النفط الكبرى تتحول إلى مشروعاتها في أفريقيا.. هل تستطيع مشروعات الغاز في أفريقيا إشباع أوروبا المتعطشة للإمدادات؟

تتجه أنظار شركات الطاقة الكبرى إلى مشروعات الغاز في أفريقيا على أمل سدّ العجز المتوقع للإمدادات، مع خطط أوروبا للاستغناء الكامل عن الوقود الأحفوري الروسي.

وتتوقع شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي، في تقرير حديث، أن يبلغ إنتاج الغاز في أفريقيا ذروته عند 470 مليار متر مكعب بحلول أواخر عام 2030، أي ما يعادل 75% من الكمية المتوقعة لإمدادات روسيا هذا العام.

وفي أوائل مارس/آذار الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي هدفه لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية هذا العام، قبل الاستغناء الكامل بحلول نهاية العقد، لكنه تراجع عن بعض الخطط بشأن الحظر لاحقًا.

ورغم أن العالم وأوروبا بصفة خاصة، بصدد أزمة إمدادات، جراء هذه الخطط، فإن إنتاج الغاز في أفريقيا قد يوفر الدعم.

إنتاج الغاز في أفريقيا

تاريخيًا، تعد روسيا المورد الرئيس للغاز الطبيعي إلى أوروبا، بمتوسط 62% من إجمالي واردات الغاز إلى القارة على مدى العقد الماضي، مقابل متوسط 18% من أفريقيا خلال المدَّة نفسها.

ومع ذلك، تواجه مشروعات الغاز في أفريقيا تاريخيًا مخاطر متزايدة تتعلق بارتفاع التكاليف والتحديات في الحصول على التمويل، وغيرها من المخاوف المالية والأمنية في بعض الأحيان.

وأمام ذلك، وفي ظل الوضع الراهن لأزمة الإمدادات، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن شركات النفط والغاز الكبرى النظرة قد تغيّر هذه النظرة، وتعاود العمل على مشروعات الغاز في أفريقيا، التي كانت حبيسة الأدراج، استجابة إلى الطلب العالمي المتزايد.

وهذا يمكن أن يزيد إنتاج الغاز في أفريقيا أكثر من المتوقع حاليًا عند متوسط 335 مليار متر مكعب بحلول نهاية العقد الحالي، مقارنة مع المستوى المتوقع للعام الجاري عند 260 مليار متر مكعب، بحسب ريستاد إنرجي.

وفي العام الماضي، استوردت أوروبا 155 مليار متر مكعب من الغاز الروسي، ما يوفّر أكثر من 31% من إمدادات الغاز في المنطقة.

هل تكون أفريقيا حلًا؟

تدرس أوروبا حاليًا إمكان مساعدة الدول الأفريقية الغنية بالغاز على زيادة الإنتاج والصادرات في السنوات المقبلة، مع تذليل العقبات أمام المشروعات، خاصة وسط الاقتراح الأوروبي لاعتماد الغاز استثمارًا أخضر.

ومن شأن تمويل مشروعات الغاز في أفريقيا، أن تمنح أوروبا -أيضًا- القدرة على تحمل تكاليف الطاقة محليًا، وفق ريستاد إنرجي.

وما يساعد على ذلك، أن أفريقيا تمتلك خطوط أنابيب متصلة بشبكة الغاز الأوروبية؛ إذ تمر الصادرات من الدول الأفريقية عبر الجزائر إلى إسبانيا ومن ليبيا إلى إيطاليا.

وفي الأشهر الأخيرة، انطلقت المحادثات حول خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، الذي ينقل الغاز من نيجيريا إلى الجزائر، بهدف توصيله إلى أوروبا، وأيضًا خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي.

وكانت نيجيريا قد أعلنت بدء تشغيل مشروع خط أنابيب نقل الغاز “إيه كيه كيه” -الذي تتنافس عليه الجزائر والمغرب- في الربع الأول من 2023، بدلًا من الموعد السابق في العام الجاري.

والأبعد من ذلك، أن أوروبا تستورد الغاز المسال أيضًا من أفريقيا، في الغالب من نيجيريا والجزائر، فضًلا عن أحجام أصغر من مصر وأنغولا وغينيا الاستوائية.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن اكتشافات حقول الغاز البحرية واسعة النطاق في موزمبيق وتنزانيا والسنغال وموريتانيا وجنوب أفريقيا لديها القدرة على تعزيز الإمدادات بمجرد تطويرها.

مشروعات الغاز في أفريقيا

بعد تخارجها من روسيا، على إثر غزو أوكرانيا، تتطلع شركة بي بي البريطانية إلى مشروعات الغاز في أفريقيا، لاغتنام الفرصة وتزويد الأسواق الأوروبية بإمدادات الغاز.

وتمتلك الشركة البريطانية مشروع تورتو أحميم للغاز المسال في السنغال وموريتانيا، بقدرة إنتاجية للمرحلة الأولى تبلغ 2.5 مليون طن سنويًا والكمية نفسها في المرحلة الثانية.

وكان من المتوقع بدء الإنتاج هذا العام، لكن قررت بي بي تأجيل الموعد حتى عام 2023، بسبب تداعيات وباء كورونا.

بينما تمتلك بي بي أيضًا مشروع ياكار-تيرانغا في السنغال، ومشروع “بئر الله” في موريتانيا، بقدرة إجمالية متوقعة 10 ملايين طن من الغاز المسال.

كما أعلنت شركة إيني الإيطالية قدرتها على تخفيف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي إلى حد ما من خلال الإمداد من مشروعاتها الأفريقية، بما في ذلك في الجزائر ومصر ونيجيريا وأنغولا والكونغو برازافيل.

في الشهر الماضي، وقعت إيطاليا، بالاشتراك مع إيني، اتفاقيات لتعزيز واردات الغاز من دول شمال أفريقيا الجزائر ومصر، فضلًا عن اتفاقيتين إضافيتين لتوريد الغاز مع الكونغو برازافيل وأنغولا.

فضًلا عن بي بي وإيني، فإن تخارج شركات النفط الأخرى، إكوينور وشل وإكسون موبيل من أعمالها في روسيا، سيجعلها تعيد التركيز على أصول الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق وتنزانيا.

اقرأ أيضًا: الغاز في أفريقيا.. هل يستطيع تعويض أوروبا عن الإمدادات الروسية؟


مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، واتخاذ العديد من الدول خطوة لتقليل اعتمادها على النفط والغاز الروسي، ظهرت فرصة ذهبية أمام الغاز في أفريقيا لترسيخ مكانة القارة السمراء بصفتها سوقًا للتصدير.

وترى مؤسسة التمويل الأفريقية (إيه إف سي) أن أزمة أمن الطاقة في أوروبا تمثل فرصة سانحة أمام إمدادات الغاز في أفريقيا، رغم ما تواجهه من تحديات البنية التحتية.

وتعتقد المؤسسة أن أفريقيا يمكن أن تحل محل النفط والغاز الروسي وسط اتجاه أوروبا لخفض اعتمادها على الإمدادات الروسية، ولا سيما أنها تمتلك بعضًا من أضخم الاحتياطيات في العالم.

وبالإضافة إلى تغيير بوصلة سوق التصدير، يتعين على أفريقيا استغلال مواردها من الغاز لدعم التصنيع المحلي، حسب موقع إنرجي فويس.

وتُعَد مؤسسة التمويل الأفريقية مؤسسة مالية متعددة الأطراف، تأسست في عام 2007 لتحفيز استثمارات القطاع الخاص في البنية التحتية بقارة أفريقيا.

الوقود الانتقالي

أشارت مؤسسة التمويل الأفريقية إلى قرار المفوضية الأوروبية للاعتراف بأن الغاز وقود انتقالي أثناء تحول الطاقة نحو تحقيق الحياد الكربوني.

وقالت إنها تعطي الأولوية لتطوير الغاز في أفريقيا، بالنظر إلى المصادر الهائلة في القارة وفرص الحصول على كهرباء رخيصة.

وأضاف الممول الأفريقي أنه يمكن للشراكات أن تمهد الطريق لتحقيق ذلك، بما يتماشى مع اتجاه أوروبا لتصنيف الغاز بصفته وقودًا أخضر.

ومن أجل اغتنام القارة هذه الفرصة، ستحتاج إلى استثمارات في البنية التحتية تتجاوز عمليات التنقيب والإنتاج.

ويرى أن البنية التحتية شرط ضروري حاسم للقارة للاستفادة من الفرص الحالية والمستقبلية، وستحتاج إلى الكهرباء والطرق والسكك الحديدية والموانئ لتوفير الموارد.

المتطلبات المحلية

في عام 2021، ارتفعت أعداد الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على الكهرباء في القارة السمراء؛ لذا يمثل الغاز في أفريقيا فرصة لتلبية الطلب المحلي.

وقالت مؤسسة التمويل الأفريقية إنه بالنظر إلى أن أجزاء كبيرة من القارة وصلت لهدف الحياد الكربوني، يمكن تحقيق التنمية الصناعية باستغلال الغاز الطبيعي دون مساهمة كبيرة في انبعاثات الكربون العالمية.

وتابعت: “سيترتب على ذلك خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي، وسيُمكن ذلك الدول الأفريقية من زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لتحقيق الانتقال النهائي”.

وأوضحت أن الغاز في أفريقيا سيُسهم في توفير حاجة بلدان القارة فيما يتعلق بكهرباء الحمل الأساسي.

واستطردت قائلة إن الخطط المستقبلية لن تعتمد على إيقاف تشغيل مصادر الطاقة الحالية، وإنما إضافة مصادر بديلة لرفع حصة إمدادات الكهرباء، موضحة أنها ستواصل تمويل مشروعات الكهرباء باستخدام الغاز.

وترى المؤسسة أن استخدام الغاز سيساعد في الحفاظ على الغطاء الحرجي في أفريقيا بدلًا من حرق الأخشاب، وبقاء هذه الأشجار سيضمن امتصاص ثاني أكسيد الكربون.

الهروب من أفريقيا

رغم التزايد المستمر في الطلب الأوروبي؛ فإن مشروعات التنقيب والإنتاج في أفريقيا لم تعد مغرية كما كانت من قبل.

وأشار الممول الأفريقي في هذه النقطة إلى أن شركات النفط العالمية وشركات النفط الوطنية تُصَفي استثماراتها.

فعلى سبيل المثال، بدأت شركة إكسون موبيل الأميركية وشركة شل الأنجلو-هولندية بيع الأصول في نيجيريا، بينما شركة النفط الأنغولية سونانغول تبيع الأصول في أنغولا.

ومن ثَم يحمل هذا العام فرصة لزيادة مشاركة المستثمرين الأفارقة المستقلين في قطاع النفط والغاز.

ومع ذلك، سيتعيّن على الشركات في هذا القطاع إيلاء اهتمام متزايد لمتطلبات الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؛ نظرًا لضرورة تأمين الدعم المالي العالمي.

وبالنظر إلى الضغوطات المتعلقة بانتقال الطاقة، ستحتاج شركات النفط والغاز إلى التركيز على القدرة التنافسية، مشيرًا إلى أن المصادر القوية ستكون في المقدمة، بجانب مصادر ذات انبعاثات كربونية أقل، وعائدات أفضل، ومردود أسرع.

ماذا عن كهربة أوروبا؟

بالتطلع إلى أفق أبعد في المستقبل، يمكن أن تؤدي الإمدادات الأفريقية -أيضًا- دورًا في كهربة أوروبا.


فالاعتماد المتزايد على السيارات الكهربائية سيتطلب سعة بطارية أكبر، ويمكن لأفريقيا أن تؤدي دورًا محوريًا في تحول أوروبا.

ووفقًا لرؤية مؤسسة التمويل الأفريقية، ستُصدر عملية تصنيع السلائف اللازمة للبطاريات في الكونغو انبعاثات أقل من نظيرتها في بولندا أو الصين.

وفي ظل الاضطرابات المتزايدة في سلاسل التوريد العالمية، قد يرى المصنعون الأوروبيون في القدرات الصناعية الأفريقية وسيلة لتحقيق التوازن الحالي المعتمد على الإمدادات الآسيوية.

يذكر أن مؤسسة التمويل الأفريقية أعلنت سابقًا أرباحًا بقيمة 209.7 مليون دولار في عام 2021، بزيادة قرابة 27% عن العام السابق، في حين ارتفع إجمالي الأصول إلى 8.56 مليار دولار.

كما أطلقت، العام الماضي، صندوقًا جديدًا يهدف لجمع 500 مليون دولار في البداية، وصولًا إلى ملياري دولار في السنوات الـ3 المقبلة، وستؤدي استثمارات الطاقة دورًا رئيسًا في خطط إدارة الأصول.

المصدر: الطاقة – مواقع إلكترونية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى