تقارير

أزمة القارّة العجوز.. هل ينجح خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب في تعويض إمدادات أوروبا من روسيا؟

تُبدي أوروبا اهتمامًا خاصًا بخط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، بوصفه أحد البدائل المهمة لإمدادات الطاقة الروسية عقب الحرب الأوكرانية.

إذ تخطط القارّة العجوز لزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال بمقدار 50 مليار متر مكعب، وعبر خط أنابيب من دول غير روسيا بمقدار 10 مليارات متر مكعب، وفقًا لتقرير نشرته بلومبرغ، نقلًا عن وثيقة أعدّتها المفوضية الأوروبية.

وللقيام بذلك، تدرس أوروبا -من بين أمور أخرى- احتمال استخدام الإمكانات غير المستغلة إلى حدٍّ كبير للغاز الطبيعي المسال في أفريقيا، مع تحديد مشروعات خطوط أنابيب الغاز الرئيسة، مثل خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب.

أهمية خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب

يعمل المغرب ونيجيريا على تسريع وتيرة عملية إنشاء أنبوب الغاز العابر لأفريقيا بطول 7 آلاف كيلومتر، الذي سيربط البلدان عبر مياه 13 دولة أفريقية من أجل نقل الغاز إلى أوروبا.

إلّا أن خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب يجب أن يستمر لمدّة 20 عامًا، ولا يحلّ مشكلة أوروبا التي تحتاج فورًا إلى بديل للغاز الروسي، حسبما أفادت منصة “بلادي” المحلية الناطقة باللغة الفرنسية.

وبحسب الباحث الفرنسي في قضايا الطاقة، فرانسيس بيرين، “لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه” لتحقيق مشروع خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، لأنه “يجب دراسة قضيتين رئيستين قبل مرحلة البناء: الأسواق والتمويل”، في تصريحات لصحيفة إل موندو الإسبانية.

ومن جانبه، قال أستاذ هندسة الطاقة، خوسيه إغناسيو ليناريس: “قد يتسبّب خط أنبوب الغاز في أضرار كبيرة لروسيا، لأن الأمر سيستغرق بضع سنوات لإعادة توجيه تدفق هذه الصادرات إلى الصين أو دول جنوب آسيا”.

ومع ذلك، يقرّ ليناريس بأن “حصار الغاز الروسي سيكون له عواقب اقتصادية على أوروبا، بالنظر إلى أن القطاع الصناعي يستهلك أكبر قدر من الغاز”، محذرًا من “فقدان الوظائف والركود الاقتصادي، خاصةً في الدول ذات القطاع الصناعي عالي التطور مثل ألمانيا”.


تطورات خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب

كان وزير النفط النيجيري، تيمبري سيلفا، قد صرّح في مطلع الشهر الجاري بأنه استقبل مسؤولين روس، الأسبوع الماضي.

وقال: “هم حريصون على الاستثمار في هذا المشروع، وهناك العديد من الأشخاص الآخرين الذين يرغبون أيضًا في القيام بذلك”.

ستكون موسكو مهتمة بأنبوب الغاز هذا، للالتفاف على العقوبات الغربية، والاستمرار بالبقاء في صدارة سوق الغاز في أوروبا من ناحية، والتنافس مع الغرب والصين في القارّة الأفريقية التي تمتلك احتياطيات نفطية هائلة في ناحية أخرى.

كانت شركة وورلي الأسترالية قد أعلنت -في أبريل/نيسان الماضي- فوزها بعقد لتقديم دراسة التصميم الهندسي الأمامي لمشروع خط أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب.

وأوضحت الشركة -في بيان صحفي أصدرته- أن أنبوب الغاز سيكون أطول خط أنابيب بحري في العالم، وثاني أطول خط أنابيب عمومًا.

إنتاج الغاز في أفريقيا

في سياقٍ متصل، من المتوقع أن تسجل أفريقيا زيادة كبيرة في إنتاجها من الغاز بنهاية العقد الثالث من القرن الحالي، بحسب دراسة نشرتها شركة ريستاد إنرجي الخميس الماضي 12 مايو/أيار.

إذ توقعت الدراسة أن يصل إنتاج الغاز في القارّة إلى ذروة 470 مليار متر مكعب خلال هذه المدّة، وهو ما يمثّل نحو 75% من حجم الغاز الذي تنتجه روسيا في عام 2022.

وأشارت الدراسة إلى أن كمية الغاز المنتج في أفريقيا يجب أن تزيد من 260 مليار متر مكعب هذا العام، إلى 335 مليار متر مكعب بنهاية العقد الأول من القرن الحالي، حسبما نقلت منصة “أجانس إيكوفين” الناطقة بالفرنسية.

وقال المحلل الرئيس في ريستاد إنرجي، سيفا براساد: “البنية التحتية الحالية لأنابيب الغاز بين شمال أفريقيا وأوروبا والعلاقات التاريخية لتوريد الغاز الطبيعي المسال، تجعل من أفريقيا بديلًا قويًا للأسواق الأوروبية، بعد الحظر المفروض على الواردات الروسية”.

وفقًا لهذا المنطق، يمكن لأوروبا أن تسهم في تمويل العديد من مشروعات الغاز الأفريقية، مثل أنبوب الغاز عبر الصحراء، أو أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، لتأمين إمداداتها من الطاقة على المدى الطويل.

اقرأ أيضًا: باحث: خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي طريق للتنمية العابرة للحدود


يكتسب خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي أهميته من كونه مشروعًا إستراتيجيًا يهدف إلى تحسين أمن الطاقة بالنسبة لكثير من دول أفريقيا وأوروبا.

وقال رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية في المغرب، الباحث محمد بودن، إن المشروع له مزايا متعددة، أهمّها أنه يمثّل الطريق الرئيس لخلق التنمية والتكامل على نطاق واسع وعابر للحدود.

وأضاف بودن، في مقال بعنوان “مشروع أنابيب الغاز نيجيريا – المغرب.. المزايا الجيوسياسية والاقتصادية”، الذي نشره موقع “رفي دكار” السنغالي، أن أهمية المشروع تتجلى في كونه يقع في ملتقى طرق المصالح الطاقية، بالنسبة لعدد من الفاعلين الدوليين.

وأوضح أن التصور المنطقي لمشروع خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي لم يكن الغرض منه اختصار المسافات، بل أن يكون مسارًا لتحسين حياة نحو 400 مليون إنسان.

الرؤية المغربية النيجيرية

قال بودن، إنه كان بمقدور المغرب ونيجيريا الاكتفاء بالتفكير في مشروع أنبوب ينقل الغاز النيجيري إلى المغرب عبر 3 أو 4 دول فقط، هي بنين و بوركينافاسو ومالي وموريتانيا، لكن رؤية البلدين للخط قدّمت اعتبارات أخرى، مثل الأمن والاستقرار والتكامل والتنمية المستدامة في 11 بلدًا غرب أفريقيا.

ولفت الباحث إلى أن التطورات الأخيرة على الساحة الدولية وجّهت التركيز لمصادر الطاقة، وأسهمت في ترسيخ الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية والجيوسياسية لمشروع خط الغاز النيجيري المغربي، الذي وصفه بأنه “ثمرة لإرادة مشتركة بين بلدين رائدين في القارّة الأفريقية”.

وعن المزايا الاقتصادية، قال الباحث المغربي، إن بلاده تطمح بتعزيز الخيارات والبدائل في أسواق الطاقة، في حين تأمل نيجيريا أن يعزز المشروع إجمالي الناتج المحلي، إذ إن عمر المشروع سيصل إلى 25 عامًا على الأقلّ، وذلك بناءً على معدلات الإنتاج والاستهلاك المتوقعة.

كما ستتمكن الدول التي سيمرّ خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي في أراضيها، من توفير ما يكفي لتوليد الكهرباء للاستهلاك المحلي والتصنيع والزراعة وإنتاج المحاصيل، بالإضافة إلى توفير فرص العمل.


مزايا جيوسياسية

بالإضافة إلى المزايا الاقتصادية التي يوفرها خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي، فإنه يوفر مزايا أخرى، أهمها أنه يمنح المغرب زخمًا جديدًا في قارّة أفريقيا، بالإضافة إلى أنه يدعم حربها ضد الهجرة غير المشروعة، ويساعد أيضًا في تقليل التلوث وتحفيز التصنيع النظيف.

ويمنح المشروع دورًا مهمًا للمغرب وسط دول أفريقيا، على المستويات الاقتصادية والسياسية والتنموية، بجانب أنها ستصبح وجهة استثمارية في كثير من المشروعات، مشيرًا إلى أن المغرب ونيجيريا ستصبح كلمتهما مسموعة بين الدول الكبرى التي تتحدث بلغة الطاقة.

وانتهى الباحث المغربي إلى أن مشروع خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي يحتاج إلى شركاء دوليين، سواء من القطاع العامّ أو الخاص، بوصفه شراكة طويلة المدى تحتاج إلى إطار العمل الجماعي لتسريع النمو الاقتصادي.

تطورات المشروع

في 27 أبريل/نيسان الماضي، أعلنت شركة وورلي الأسترالية فوزها بعقد لتقديم دراسة التصميم الهندسي الأمامي لمشروع خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي.

وقالت الشركة، إن الخط، الذي سيزيد طوله عن 7 آلاف كيلومتر، يحظى بدعم المكتب الوطني المغربي للهيدروكاربورات والمعادن، بجانب دعم من شركة النفط الوطنية النيجيرية.

وكانت نيجيريا قد أعلنت تأجيل موعد الانتهاء من المشروع، الذي تتنافس عليه كل من الجزائر والمغرب، وبدء تشغيله، إلى الربع الأول من العام المقبل 2023، بدلًا من عام 2022 الجاري.

وأوضحت الشركة الأسترالية أن خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي سيكون أطول خط أنابيب بحري في العالم، وثاني أطول خطوط الغاز عمومًا، إذ يربط نيجيريا بالمغرب، ويمتد إلى 11 دولة في غرب أفريقيا، قبل أن يصل إلى أوروبا.

مواصفات خط الأنابيب

يمتد خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي على طول 5660 كيلومترًا، وهو ما اتُّفِق عليه منذ بدء المباحثات بين المغرب ونيجيريا في عام 2016، خلال زيارة ملك المغرب إلى أبوجا.

ويمرّ خط الأنابيب بأراضي 13 دولة أفريقية، وهي نيجيريا وبينين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا، والمغرب، في حين تزيد تكلفته عن 25 مليار دولار.

ويستهدف خط أنابيب الغاز النيجيري المغربي نقل ما بين 30 و40 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري سنويًا.

المصدر: الطاقة – مواقع إكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى