البئر رقم 7.. حكاية “خبيئة” الصحراء التي حولت العرب إلى “عمالقة” العالم في إنتاج وتصدير “الذهب الأسود”
بئر الدمام رقم 7، والمعروفة أيضًا باسم بئر الخير، والتي كانت السبب الرئيس في جعل المملكة العربية السعودية تتحوّل إلى أكبر مصدّر نفط في العالم، وهذا بعد العديد من المحاولات المخيّبة للآمال في بداية حفر بئر الدمام 1 وحتى بئر الدمام 6، ولهذا قام الملك عبدالعزيز آل سعود بإطلاق اسم “بئر الخير” عليها.
بدأت أكبر دولة مصدّرة للنفط في العالم حاليًا، إنتاجها النفطي، قبل 83 عامًا، وبالتحديد في الرابع من مارس عام 1938، عندما بدأ حقل بئر الدمام رقم 7 بضخّ ما يحتويه في أعماقه من النفط السعودي.
وفي مثل هذا اليوم، استخرجت المملكة أول برميل للنفط، لتبدأ بكمية متواضعة في البداية بلغت 1600 برميل يوميًا، وهو ما كان إيذانًا ببدء تغيير شامل في بُنية الاقتصاد السعودية.
غير أن السعودية تنتج حاليًا أكثر من 11 مليون برميل يوميًا، موزّعة على عدد حقول يبلغ 116، منها أكبر حقول نفط في العالم بأكمله.
بداية حفر بئر الدمام
بدأت القصة عام 1933، عندما وقّع الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود اتفاقية التنقيب مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا الأميركية. ليتمّ إنشاء شركة كاليفورنيا أريبيان ستاندرد أويل، والتي أصبحت فيما بعد نواة لأكبر شركة نفط في العالم (أرامكو).
وقد استمرت عمليات الحفر 5 سنوات، وكانت في بدايتها مخيّبة، لا سيما مع التعطل المستمر لآلات الحفر من جهة، والكميات غير التجارية للنفط المستخرج من جهة أخرى، وتمّ حفر آبار الدمام 1 والدمام 2، و3 و4 و5 و6 ومن ثم بئر الدمام 7، والتي شهد حفرها صعوبات جمة، ووصل عمقه إلى كيلو متر ونصف.
ولكن بسبب إصرار كبير الجيولوجيين في الشركة، الأميركي ماكس ستانكي، وبجانبه الدليل السعودي، ابن رمثان، اللذين واصلا الحفر، وصل الحال بالمملكة إلى ما هي عليه اليوم.
وبعد نحو 83 عامًا، تقود السعودية سوق النفط العالمية، بالتعاون مع منظمة أوبك. كما تقود السعودية من خلال صناعة البتروكيماويات عالميًا، والتي نمت بسبب النفط السعودي الذي بدأ من بئر الدمام رقم 7.
ورغم نجاح المملكة في قيادة أسواق النفط والحفاظ على الاستقرار النوعي، طوال هذه المدة على مدار 83 عامًا، إلّا أنها بدأت مؤخرًا تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط مصدرًا رئيسًا ووحيدًا للإيرادات.
أعطى المهندس الجيولوجي ماكس ستانكي التعليمات للحفّارين، في ديسمبر 1936، للبدء بحفر بئر الاختبار العميقة رقم 7 في الدمام. بعد أن كانت نتائج حفر الآبار الستّ الأخرى مخيّبة للآمال. وبعد ذلك بعشرة أشهر، وبالتحديد في 16 أكتوبر 1937، وعند عمق 1097 مترًا، شاهد الحفّارون 5.7 لترات من الزيت في طين الحفر المخفف العائد من بئر الدمام رقم 7 مع بعض الغاز.
وفي آخر يوم من عام 1937، أخفقت معدّات التحكّم في السيطرة على بئر الدمام رقم 7، وأثارت البئر قاذفةً بما فيها من السوائل والغازات، وبعد الحفر إلى عمق 1382 مترًا، لم يجد فريق الحفر كمية تُذكر من الزيت.
ولكن سرعان ما تغيّرت الأحوال، ففي الأسبوع الأول من مارس 1938، حققت بئر الدمام رقم 7 الأمل المرجوّ، وكان ذلك عند مسافة 1440 مترًا تحت سطح الأرض، أي بزيادة تقلّ عن 60 مترًا عن العمق الذي كان الجيولوجيون يتوقّعون وجود النفط عنده.
وقد أنتجت بئر الدمام 1585 برميلًا في اليوم، في الرابع من مارس 1938، ثم ارتفع هذا الرقم إلى 3690 برميلًا في السابع من مارس. وسجّل إنتاج البئر 2130 برميلًا بعد ذلك بتسعة أيام، ثم 3732 برميلًا بعد خمسة أيام أخرى، ثم 3810 برميلًا في اليوم التالي مباشرة.
وكان الملك عبد العزيز قد وقّع اتفاقية الامتياز للتنقيب عن النفط مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا “سوكال”، وأعقب التوقيع توافد الجيولوجيين إلى مدينة الدمام.
وجرى تصدير أول شحنة من الزيت الخام على متن ناقلة في الأول من مايو 1939، كان الملك عبدالعزيز هو من أدار الصمام بيده لتعبئتها.
واستمر الزيت يتدفق من البئر رقم 7 حتّى عام 1982، عندما استُبعدت لأسباب تشغيلية، وذلك بعد 45 سنة من الإنتاج المستمر، وبلغ مجموع إنتاجها ما مقداره 32 مليون برميل، وبمعدل إنتاج يومي 1600 برميل. ولهذا سُمّيت بئر الدمام رقم 7 بئر الخير.
بداية اكتشاف النفط في المملكة السعودية
تعود بداية استكشاف النفط في المملكة إلى 29 مايو 1933، حين وقّع الملك عبدالعزيز اتفاقية الامتياز للتنقيب عن النفط مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، بعد أن أنعش اكتشاف النفط في البحرين المجاورة الآمال بوجود مخزون من الذهب الأسود في الأراضي السعودية.
وأعقب التوقيع توافد الجيولوجيين، في 23 سبتمبر 1933، والنزول عند الجبيل الساحلية التي تبعد نحو 105 كيلومترات شمال مدينة الدمام.
وفي 30 أبريل 1935، تقرّر بدء العمل في حفر بئر الدمام رقم 1، وبعد سبعة أشهر من التأرجح بين الأمل واليأس، أنتجت البئر دفعة قوية من الغاز وبعض بشائر الزيت، وذلك حينما وصل عمق الحفر إلى قرابة 700 متر، إلّا أن عطلًا في المعدّات أجبر طاقم الحفر على إيقاف تدفّق البئر، وسدّها بالإسمنت.
وكانت بئر الدمام رقم 2 أفضل حالًا، عندما بدأ العمل في حفرها، في الوقت الذي أُغلقت فيه البئر الأولى. أي في 8 فبراير 1936م، وما إن جاء يوم 11 من مايو من العام نفسه، حتى كان فريق الحفر قد وصل إلى عمق 633 مترًا، وحينما اختُبرت البئر في شهر يونيو 1936، تدفّق الزيت منها بمعدل 335 برميلًا في اليوم.
وبعد انقضاء أسبوع على ذلك الاختبار، وإثر المعالجة بالحامض، بلغ إنتاج الزيت المتدفّق من البئر 3840 برميلًا يوميًا، شجّع ذلك على حفر آبار الدمام 3 و4 و5 و6، دون انتظار التأكد من أن الإنتاج سيكون بكميات تجارية، أو التعرّف على حجم الحقل المكتشف، ثم صدر قرار في شهر يوليو بإعداد بئر الدمام رقم 7، لتكون بئر اختبار عميقة.
وكانت زيادة حجم العمل تعني المزيد من الرجال والعتاد والمواد، في حين لم يعد موقع العمل قادرًا على استيعاب الزيادة في عدد العاملين، ومع نهاية عام 1936، يرتفع عدد العاملين السعوديين في الموقع إلى 1076 عاملًا، بالإضافة إلى 62 عاملًا من غير السعوديين.
إخفاق وإحباط
كما كان يُفترض أن تسير الأمور بشكل طبيعي، لكن حدث في ذلك الوقت ما لم يكن متوقّعًا. فقد أخفقت بئر الدمام رقم 1 بعد حفرها إلى عمق يزيد على 975 مترًا، أمّا بئر الدمام رقم 2 فقد تبيّن أنها «رطبة»، بمعنى أنها تنتج الماء بشكل رئيس، إذ كان إنتاجها منه يزيد بمقدار 8 أو 9 مرات على حجم إنتاجها من الزيت.
ولم يزد إنتاج بئر الدمام 3 على 100 برميل من النفط الثقيل يوميًا، مع وجود الماء في هذا الإنتاج بنسبة 15 في المئة. وزادت الآبار (4، 5، 6) خيبة الأمل، بجفافها وعدم قدرتها على إنتاج أيّ سوائل.
وفي شهر ديسمبر 1936، بدأ اختصاصي حفر الآبار الاستكشافية بحفر بئر الاختبار العميقة رقم 7، التي بدت مثل سابقاتها مخيّبةً للآمال، فحصل تأخير في عملية الحفر، كما كانت هناك بعض المعوقات، حيث عَلِق أنبوب الحفر، وحدث كسر في جنزير الرحى، وسقطت مثاقيب الحفر في قاع البئر المحفورة.
وكان لا بد من التقاطها، إلّا أن جدران البئر انهارت، ورغم وصول جهاز الحفر الرحوي، الذي يعمل بقوة البخار، إلى طبقة البحرين الجيولوجية، فقد ظلت النتيجة واحدة، وهي “لا يوجد نفط!”.
أمل ونجاح
وبعد عشرة أشهر من الإحباطات، وتحديدًا في 16 أكتوبر 1937، وعند عمق 1097 مترًا، شاهد الحفّارون البشارة الأولى المتمثّلة في 5.7 لترات من الزيت في طين الحفر المخفّف العائد من بئر الدمام رقم 7، مع بعض الغاز، وفي آخر يوم عام 1937، أخفقت معدّات التحكّم في السيطرة على بئر الدمام رقم 7، لأن البئر ثارت وقذفت ما فيها من السوائل والغازات.
وبعد الحفر إلى عمق 1382 مترًا، لم يجد فريق الحفر كمّية تُذكر من الزيت، لكن سرعان ما تغيّرت الأحوال، ففي الأسبوع الأول من مارس 1938، حققت بئر الدمام رقم 7 الأمل المرجوّ، عند مسافة 1440 مترًا تحت سطح الأرض، أي بزيادة تقلّ عن 60 مترًا عن العمق الذي كان الجيولوجيون يتوقّعون وجود النفط عنده.
وأنتجت، في الرابع من مارس 1938، نحو 1585 برميلًا في اليوم، ثم ارتفع العدد إلى 3690 برميلًا في السابع من مارس، وقد سجّل إنتاج بئر الدمام رقم 7 نحو 2130 برميلًا بعد ذلك بتسعة أيام، ثم 3732 برميلًا بعد خمسة أيام أخرى، ثم 3810 براميل في اليوم التالي مباشرة.
وأولى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، عنايته بمشروع التنقيب عن الزيت في المملكة، بعد توحيدها. دعمًا للاقتصاد الوطني، إذ تابع بنفسه تطوّر أعمال شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا في المنطقة الشرقية، التي وقّع معها اتفاقية التنقيب عن الزيت في البلاد، عام 1933. وكان على صلة مستمرة بالمسؤولين في الشركة للاطّلاع على إنجازاتها، وتذليل الصعوبات التي ربما تواجهها.
وفي عام 1938، وصل محامي الشركة، ويليام لينهان، إلى الرياض، لينقل إلى الملك عبدالعزيز خبرًا مهمًّا عن الشركة، يتعلّق بالعثور على الزيت بكمّيات تجارية كبيرة من خلال بئر الدمام رقم 7، التي أصبحت أول بئر منتجة للزيت في المملكة، في 12 مارس 1938. وأعقب هذا التطوّر المهمّ زيارة الملك عبدالعزيز لمنشآت شركة الزيت العربية الأميركية في المنطقة الشرقية.
أمّا في 28 إبريل 1939، فقد بدأ الملك عبدالعزيز زيارته الرسمية الأولى للشركة ومنشآتها عن طريق البرّ، حيث وصل إلى المنطقة في أول شهر مايو، وذلك في موكب كبير، وتضمّن برنامج تلك الزيارة تفقّد منشآت الشركة في الظهران ورأس تنورة.
وقام جلالته بافتتاح مجرى انتقال الزيت إلى أول باخرة شحن الزيت السعودي إلى الخارج، كما زار القطيف والدمام والخبر وأبو حدرية وجبل القرين.
وأسهمت زيارة الملك عبدالعزيز للشركة في دعم أعمالها، خصوصًا في المرحلة التي تلت اكتشاف الزيت بكمّيات تجارية في المنطقة الشرقية، وواصلت الشركة تقدّمها في أعمال التنقيب عن الزيت، على الرغم من ظروف الحرب العالمية الثانية، وما أدّت إليه من تعطيل للعمل في المنطقة.
وفي عام 1947، قام الملك عبدالعزيز بزيارة لشركة الزيت العربية الأميركية، وتفقّد منشآتها، والاطّلاع على أوضاعها. وذلك بعد مرور نحو ثماني سنوات على زيارته السابقة لها.
وتختلف هذه الزيارة عن الأولى، نتيجة لتطوّر أعمال شركة الزيت العربية الأميركية (أرامكو)، وتحقيقها نتائج كبيرة في مجال التنقيب عن الزيت، وتصديره تجاريًا من جهة، وتطوّر البلاد السعودية بفضل جهود الملك عبدالعزيز البارزة في بنائها وازدهارها حضاريًا من جهة أخرى.
المصادر : مواقع الكترونية عربية – الطاقة